مسألة: [الكلام في حد الإجتهاد الشرعي]
  كان الحق من مقتضاه واحداً لا يسوغ الخلاف فيه، ويبنى أيضاً أن في استعماله بعض المشقة؛ لأن الحكم المستفاد من غير النص لا بد في تحصيله من حصول بعض المشقة؛ لأنه لا يحصل إلا بنظر وذلك يفيد وقوع المشقة، ولولا ذلك لما سميناه إجتهاداً إلا أن الإجتهاد يبنى على ما لا يحصل إلا بالمشقة؛ لأنك تقول: اجتهدت في نقل هذه الحجر من هذا المكان إلى غيره، ولا تقول: اجتهدت في نقل هذه النواة من هذا المكان إلى غيره، وقولنا يسوغ الخلاف فيها جمعاً بين قولي أهل الإجتهاد؛ لأن منهم من قال: الحق في واحد، ولكن المخطيء يسوغ له خطاه ويعذر فيه، وبين من قال كل مجتهد مصيب، وهذا الحد عندنا أولى من غيره.
  وأما من قال: القياس والإجتهاد واحد، فذلك لا يصح لأن الإجتهاد يستعمل حيث لا يستعمل القياس، والقياس يستعمل حيث لا يستعمل الإجتهاد، ولهذا يقول الإنسان: اجتهدت في الترجيح بين الخبرين ولا يقول: قست، ويقول: قست تحريم الأرز بالبر، ولا يقول: اجتهدت تحريم الأرز بالبر.
  وأما ما قال أبو الحسن من أن القياس ما له أصل، والإجتهاد ما لا أصل له، فينتقض بأن كل واحد منهما له أصل؛ فأصل الإجتهاد الخبر الذي قضى بوجوب استعماله، كما أن أصل القياس الخبر الذي يبنى حكم الفرع عليه، وإن أراد الأصل المعين فذلك لا أصل له معين، فهذا مبني على تسليم أهل الشرع بعد المعرفة بانفصال القياس عن الإجتهاد، ونحن في تحديده في الأصل.
  وأما ما ذكره الحاكم من قول بعض المتكلمين فإنه يخرج منه قول بعض أهل العلم الذين لا يقولون بأن كل مجتهد مصيب، ومن حق الحد أن يمنع.
  وأما ما ذكر شيخنا ¦ من الحدين، فهو ثابت في الأعم، فأما الأخص فلا بد من اعتبار بعض المشقة؛ لأن قوله: تعرف به الأحكام الشرعية لا من جهة النصوص يقتضي بأن لا بد من بعض المشقة ولكن التصريح في التحديد أولى.