صفوة الاختيار في أصول الفقه،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

مسألة: [الكلام في إثبات أن القياس أحد أدلة الشرع]

صفحة 294 - الجزء 1

  في الشرعيات، فإذا لم يمكن استعمالها في الشرعيات فهي باطلة، فكما أن هذا القول لا يستقيم كذلك ما تقدم.

  فالمقالة الثالثة: وهي المنع من جواز استعمال القياس لأجل أنه يرجع إلى الظن؛ فالدليل على بطلانها: أن كثيراً من الشرعيات ترجع إلى الظن، وقد قضى الكل بجوازه كالقول في قيم المتلفات وأروش الجنايات، والحكم بشهادة الشهود إلى غير ذلك، فكما وجب ثبوت هذه الأحكام عند الكافة في الشريعة والمرجع بها إلى الظن فكذلك القياس.

  وأما المقالة الرابعة: وهي أنه سبحانه لا يجوز أن يقتصر بالمكلف على أدنى البيانين مع القدرة على أعلاهما، والقياس أدناهما، فبطلانه بما يعلم أن بعض ما ورد به التعبد عند الجميع أعلى من بعض؛ لأن منه ما علم من دين النبي ÷ ضرورة، ومنه ما علم بالدلالة وهذا لا خلاف فيه، ولا شك أن ما يعلم ضرورة أجلى مما يعلم بالدلالة، فإذا جاز من الله سبحانه التعبد بهما على سواء، - وإن كان أحدهما أجلى من الآخر - جاز أن يتعبد بالقياس وإن كان النص أجلى منه.

  وأما المقالة الخامسة: وهي أن التعبد بالقياس يؤدي إلى وجوب التعبد بالأمور المتضادة الشاقة، وذلك لا يجوز فسيأتي الكلام عليها - فيما بعد إن شاء الله تعالى - عند الكلام على أن كل مجتهد مصيب؛ لأنه كما يمكن أن يتعلق بها نفاة القياس يمكن أن يتعلق بها من منع كون كل مجتهد مصيباً، فالجواب عن ذلك واحد.

  وأما المقالة السادسة: وهو أن التعبد بالقياس جائز إلا أنه لم يرد في الشريعة، فلا بد من الإستدلال على أنه قد ورد فيبطل ما قالوه، وينبغي لنا أن نقدم الكلام على أن التعبد بالقياس جائز، والدليل على ذلك وجهان، وهما: العقل والسمع.

  أما العقل: فما قد تقرر في العقول أنه يجب على الإنسان القيام من تحت حائطٍ مائل إذا غلب في ظنه سقوطه، وإن جوز السلامة في الوقوف والهلاك في النهوض، وكذلك المتجنب لسلوك طريق يغلب في ظنه أن اللصوص فيها، وسلوك طريق لا يظن كونهم فيه، وإن جَوَّز أن لا يكونوا في الذي يغلب في ظنه كونهم فيه، ويكونوا في الطريق الذي