مسألة: [الكلام في أن الدليل قد ورد على التعبد بالقياس]
  وحكى أن بعض من نفى القياس قال: لم يرد دليل بأنه تعبد بالقياس ولو ورد دليل لقلت به، ومنهم من قال: جميع هذه الأحكام مبين وليس للقياس موضع، فأما هذا القول فلا يحتاج في إبطاله إلى دليل لركاكته وظهور فساده.
  وأما الدليل على أن التعبد بالقياس قد ورد فوجهان، وهما السنة والإجماع:
  أما السنة: فما روي عن النبي ÷ من الأخبار في ذلك، وذلك ظاهر في قوله لمعاذ(١) حين بعثه إلى اليمن: «بم تحكم؟ قال: بكتاب الله، قال: فإن لم تجد؟ قال: فبسنة رسول الله، قال: فإن لم تجد؟ قال: أجتهد رأيي، فقال: الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله»، والكلام في هذا الخبر يقع في وجهين: أحدهما: في صحته، والثاني: في وجه الإستدلال به.
  أما الكلام في صحته: فلأنه مما تلقته الأمة بالقبول(٢) فكانوا بين قائل به، أو متأول له، وذلك يوجب علمهم به كما في الأخبار المتعلقة بأصول الشريعة.
(١) معاذ بن جبل بن عمرو الخزرجي السلمي، أبو عبدالرحمن، كان من أعيان الصحابة في العلم والفتوى والحفظ للقرآن، أسلم وله ثمان عشرة سنة، شهد العقبة الأخيرة وبدراً وما بعدها، وبعثه النبي ÷ إلى اليمن يعلم القرآن والأحكام، وكان يزوره في الأسفار، وأخذ بيده فقال: «يا معاذ والله إني لأحبك» وكان أمة حنيفاً قانتاً. توفي في طاعون عمواس بالأردن سنة ثمان عشرة. انظر: لوامع الأنوار (ط ٢) (٣/ ١٨٠).
(٢) هذا الحديث مشهور عند أئمة أهل البيت $ والمحدثين، قال الحافظ ابن كثير: هو حديث حسن مشهور، اعتمد عليه أئمة الإسلام في إثبات أصل القياس، وقد ذكرت له طرقاً وشواهد في جزء مفرد. ذكره محمد بن إبراهيم الوزير في العواصم والقواصم (١/ ٢٨٢)، وأخرجه أحمد في مسنده (٥/ ٢٣٦)، وأبو داود في سننه (٣٥٩٢)، والترمذي (١٣٢٧)، والطيالسي (١/ ٢٨٦)، وابن سعد (٢/ ٣٤٧)، والخطيب في الفقيه والمتفقه (١٨٨)، والبيهقي (١٠/ ١١٤)، وابن عبدالبر في جامع بيان العلم (٢/ ٥٥) كلهم من طريق شعبة عن أبي عون الثقفي عن الحارث بن عمرو، عن أناس من أهل حمص من أصحاب معاذ، عن معاذ بن جبل.