صفوة الاختيار في أصول الفقه،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

مسألة: [الكلام في أن الدليل قد ورد على التعبد بالقياس]

صفحة 297 - الجزء 1

  وكان شيخنا ¦ يقول: إن ذلك لا يدل على كونه معلوماً، قال: لأنه يجوز أن لا يردوه لأنهم لا يعلمون بطلانه ولا يقطعون على صحته فيتأولونه لهذا السبب.

  وعندنا: أن تلقيهم له بالقبول مع استفاضته بينهم يدل على أنه معلوم لهم؛ لأنه متعلق بأمر كبير فلو لم يعلموه مع ذلك وهو أن يلزمهم أمراً يكرهونه ويقضون بقبحه وهم يعلمون أن نفي صحته يقطع عنهم أصل الكلام في هذا الباب لكان طعنهم في صحته أقرب إلى مرادهم من ارتكاب تأويله فيقولون: هذا خبر لا يقطع على مقتضاه؛ لأنه غير معلوم لنا فلما لم يقل ذلك قائل علمنا أنه معلوم لهم في الأصل كما علمنا بهذه الطريقة سائر أخبار أصول الشريعة.

  هذا، وإن جوزنا أن لا يكون اليوم معلوماً لنا لدثور السير وتطاول الزمن، وكان شيخنا ¦ يسلك في الإستدلال بهذا الخبر طريقة الإستدلال بأخبار الآحاد، فيقول: القياس والإجتهاد من باب العمل، وقد ثبت وجوب استعمال أخبار الآحاد فيما يتعلق بالعمل، والكلام عندنا فيه ما قدمنا، فهذا هو الكلام في صحة الخبر.

  وأما الكلام في وجه الإستدلال به: فلأن النبي ÷ أقر معاذاً على العمل بالقياس والإجتهاد، فلو لم يكن واجباً لكان إقراره له على ذلك قبيحاً، والقبيح لا يجوز عليه - عليه وآله السلام - لأن تجويزه عليه يرفع الثقة به، فيجب النفور عنه، ولا يجوز على الله تعالى أن يبعث من يعلم من حاله ذلك على ما هو مقرر في مواضعه من أصول الدين بل تصويبه به؛ لأنه لما قال أجتهد رأيي، قال #: «الحمد لله الذي وفق رسولَ رسولِ الله ÷»، فكان ذلك أبلغ من مجرد الإقرار عند من يعرف الخطاب.

  فإن قيل: إنه أراد بقوله: أجتهد رأيي أطلب علم ذلك من الكتاب والسنة.

  قلنا: هذا باطل لوجهين: