صفوة الاختيار في أصول الفقه،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

مسألة: [الكلام في النص على علة الحكم قبل ورود التعبد بالقياس هل هو تعبد بالقياس بها أم لا؟]

صفحة 308 - الجزء 1

  وحكى عن أبي هاشم وأبي الحسن أن ذلك يجري مجرى ذكر جميع ما هي علة فيه ولكن لم يثبت أنه قبل ورود التعبد بالقياس أم بعده.

  وكان يحكي أن الشيخ أبا عبدالله قال بأن النص على العلة لا يكون تعبدا بالقياس إذا كانت علة في الفعل؛ فأما إذا كانت علة في الترك فإن النص عليها تعبد بالقياس، ولا يحتاج في ذلك إلى دليل آخر.

  ومثال المسألة: أن يقول الله سبحانه أوجبت أكل السكر كل يوم؛ لأنه حلو؛ فكان شيخنا ¦ يقول: إن ذلك يوجب أن الحلاوة فيه وجه المصلحة في وجوبه في كل يوم؛ لأنه قصر التعليل عليها مع اختلاف أحوالنا، ولا يجوز حصول وجه الوجوب أو الحسن أو القبح ولا يؤثر، كما لا يجوز حصول الفعل ظلماً ولا يكون قبيحاً.

  قال: وبعد فإن قَدْراً من الرفق لا يجوز أن يصلح الصبي وهو على صفة مخصوصة ولا يصلحه مثله متى كان الصبي على تلك الصفة، فإذا ثبت ذلك صح ما قلناه من كون الحلاوة مؤثرة في كل موضع فيجب لأجل ذلك أكل العسل.

  والذي يدل على صحة ما ذهبنا إليه: ما تقدم من الكلام في أن التعبد إنما يكون للمصلحة لما يعلم الله سبحانه من المصلحة، ولا يمتنع أن تتعلق المصلحة بفعل الحكم المنصوص على علته على الإنفراد وإن ضم إليه ما يشاركه في ذلك كان مفسدة، فإذا كان هذا هكذا لم يجز أن يحمل غير المنصوص عليه على ما ورد به النص إلا إذا دلت الدلالة على إثبات القياس، فإنما نقطع عند ذلك على حصول المصلحة في مجموعها وارتفاع المفسدة.

  وما ذكره شيخنا ¦ من أن التعليل يدل على أن الحلاوة وجه المصلحة، غير مسلّم في الفعل؛ لأنا نقول: وجه المصلحة فيه كونه لطفاً للمكلف في فعل ما يجب عليه فعله وترك ما يجب عليه تركه، فما شاركه في هذه العلة وجب أن يشاركه في الحكم هذا فيما نص على علته قبل ورود التعبد بالقياس.