صفوة الاختيار في أصول الفقه،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

فصل: في طريق وجود العلة في الأصل والفرع

صفحة 315 - الجزء 1

  لا يستقيم عندنا؛ لأن النبي ÷ حرم بيع البر بالبر إلا مثلاً بمثل يداً بيد، وأخبر أن من زاد أو ازداد فقد أربا، فكان هذا التحريم عاماً شاملاً دخل تحته القليل والكثير، فالإتيان بعلة خاصة لبعضه دون بعض لا يجوز لأن ذلك يؤدي إلى أحد أمرين باطلين:

  إما إجراء الحكم في البعض بغير علة، وإما إخراج بعض ما تناوله النص بغير دلالة، وكل واحد من هذين الأمرين لا يجوز.

  فأما الإنفصال عما ذكرت الشافعية، فإنما يصح عندنا بأن نقول إن الحبة والحبتين والحبات، وإن لم يتأت فيها الكيل على الإنفراد فهو متأت في ذلك مع الإنضمام فعلتنا شائعة في جميع البر؛ لأن كله مكيل جنس، وعلى أن مثل ما ألزمونا يلزمهم في علتهم؛ لأن الطعم أو الإقتيات لا يتأتى في كل جزء من أجزائه على الإنفراد، وإنما يتأتى فيه ذلك بانضمام بعض أجزائه إلى البعض، وإن لم يطعم منفرداً أطعم مضموماً، لذلك نقول، وإن لم يتأتّ الكيل في الحبة والحبتين منفردة يتأتى فيهما مضمومة؛ لأن الوسق وما فوقه مجموع أجزاء لا يتأتى في كل واحد منها على انفراده الطعم، ومجموع حبات لا يتأتى فيها ذلك منفردة - أعني الكيل - فمهما انفصلوا به انفصلنا بمثله، فأما الكلام في ترجيح أحد العلتين على الأخرى فسيأتي فيه الكلام إن شاء الله تعالى.

فصل: في طريق وجود العلة في الأصل والفرع

  اعلم أن طريق وجود العلة فيهما قد تكون أمارة تُفْضِي إلى الظن، وقد تكون دلالة تقضي بوجودها فيهما، أو ضرورة، ولا فرق بين هذه الأقسام في صحة القياس؛ لأنه إذا جاز أن يعلق الحكم بما ظنه علة الحكم جاز أن يعلق الحكم بما ظن وجوده من علة الحكم، ألا ترى أنا نظن مجيء المطر إذا ظننا بخبر من ظاهره الصدق وجود الغيم، كما نظن ذلك وإن علمنا وجود الغيم فإذا جاز لنا التسوية بين الأصل والفرع إذا ظننا اشتراكهما في الأوصاف جاز ذلك مع العلم المكتسب لاشتراكهما في الأوصاف،