صفوة الاختيار في أصول الفقه،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

مسألة: [الكلام في صحة العلة إذا لم تتعد]

صفحة 331 - الجزء 1

  قال: فإن كان الأول كان فسادها وصحتها قد وقفا على اختيار الناس للإختلاف في الفرع والإتفاق فيه، وهذا فاسد لأن العلة إن كانت وجه المصلحة فوجوه المصالح إذا حصلت في الشيء اقتضت كونه مصلحة، وإن لم يقع الإتفاق عليه أو وقع.

  وإن كانت أمارة على الحكم وعلى وجه المصلحة فالأدلة والأمارات لا تفسد بالإتفاق غير مدلولها، وإن قال بالثاني لم يصح أيضاً، وذلك لأن العلة الشرعية إذا دلت عليها الأمارة غلب على ظننا أنها وجه المصلحة، وإن لم تتعد؛ لأن وجوه المصالح قد تختص نوعاً واحداً، وقد تتعداه كما نقوله في وجوه القبح والحسن، فهذا جل ما أتى به شيخنا، ومثل المسألة بتعليل الشافعي في الدراهم والدنانير بكونها ثمنين للأشياء.

  والذي يدل على صحة ما اخترناه: أن استنباط العلل الشرعية والعمل بمقتضاها في الأصول إنما علم حسنه ووجوبه بفعل من الصحابة وإجماعهم على ذلك فلا يجوز أن نعتبر فيه غير طريقهم، ولا نسلك غير منهاجهم؛ لأن خلاف ذلك يكون اتباعاً لغير سبيلهم ومخالفة لهم، وذلك لا يجوز؛ لأن المعلوم من حالهم أنهم لما عللوا الأصول واستنبطوا العلل ليجمعوا بها بين الفروع وبينها فيجرون عليها أحكامها، فمن جوز أن ينتزع من الأصل وصفاً لا يتعدى إلى فرع يكون قد سلك في القياس طريقة لم يسلكها الصحابة، ولم تؤخذ عنهم ويكون ذلك إثباتاً لما لم يثبتوه ويتعرى عن غرضٍ مثله، وذلك لا يجوز من حيث أنه يكون عبثاً والعبث قبيح فلا يجوز فعله، فلو جاز والحال هذه لجاز تعليل القرامطة والباطنية؛ لأنهم يعللون أصول الشريعة كالصلاة وصيام شهر رمضان والحج وغير ذلك أنها لا تتعدى ولا يريدون به إثبات حكم في الفرع، وذلك لا يجوز ولا يلزم مثل ذلك في العلة الثابتة بالنص والإجماع أو دلالة العقل؛ لأنها إذا كانت معلومة استفيد منها أن المصلحة في حكم الأصل متعلقة بها، وهذه الفائدة تخرج التعليل عن كونه قبيحاً من حيث كان لا يجري والحال هذه مجرى العبث، والمستنبطة بخلاف ذلك؛ لأنها إذا كان طريق ثبوتها الظن دون العلم لم نستفد منها هذه الفائدة، فإذا عريت عن هذه الفائدة وعن فائدة استجلاب حكم الفرع كان التعليل عبثاً ولا فائدة فيه.