صفوة الاختيار في أصول الفقه،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

مسألة: [الكلام في نقض العلة]

صفحة 338 - الجزء 1

  والذي يدل على صحته: أن العلل الشرعية ليست بعلل حقيقية موجبة للأحكام؛ لأنها قد كانت موجودة قبل الشرع مع انتفاء تلك العلة، فلو كانت عللاً حقيقية لما وجدت معلولاتها مع انتفائها كما نعلمه في العلل العقلية، وإنما هي أمارات يحصل عندها الظن بالأحكام، والأمارات لا تمنع أن يقع في إيجابها للظن تخصيص بأن يقترن ببعضها أمر يمتنع أن يحصل لأجله من الظن ما يجب حصوله عند أمثاله من الأمارات، وهذا أمر يعلمه العاقل من نفسه، ألا ترى أن الأحوال التي يختص بها زيد من ظاهر الستر والعفاف والأمانة تكون أمارة لنا في وقوع الظن بعدالة من يزكيه، ثم يحصل في هذه الأمارة تخصيص حتى لا يتبعه الظن في بعض الأحوال، إذ لو قيل لنا في بعض من يزكيه إنه ابنه، أو ذو رحم منه، أو من بينه وبينه مودة وخلطة، فربما لم يحصل عند تزكيته له من الظن ما حصل من التزكية لغيره من ا لأجانب، فقد ثبت بهذه الجملة أن حصول الظن عند الأمارات يجوز أن يحصل فيه تخصيص، فلا يقع من الظن عند أمارة مخصوصة ما يقع عند أمثالها.

  وقد كان شيخنا ¦ يمثل ذلك بما نعلم أنا إذا رأينا مركوب القاضي على باب الأمير فإن ذلك أمارة قوية لكون القاضي في دار الأمير، وقد نرى مركوب القاضي على باب الأمير فلا نظن كونه في دار الأمير، بأن نرى المركوب مع غلام غيره، فيجوز أنه استعاره.

  فإن قيل: إن تعليلكم هذا يوجب أن العلة ليست مجرد الأمارة بل هي الأمارة مع تعريها من الأمر المانع من وقوع الظن عند أمثالها، فالموضع الذي توجد فيه الأمارة مع فقد الظن يعلم أنها لم تكن أمارة من حيث اقترن بها ما يمنع من كونها أمارة للظن، فلا يكون قد حصل في الأمارة تخصيص بهذا، وهذا يؤدي إلى أن القول بتخصيص العلة غير صحيح، وأن مذهب الجميع في ذلك واحد.

  قلنا: إن الظن الذي يحصل عند وجود أمثال هذه الأمارة يتعلق بمجردها من غير أن يخطر بالبال حال المانع، وإنما يؤثر حال المانع في وقوعه عند بعضها، فمنع من أن يوجد،