صفوة الاختيار في أصول الفقه،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[ترجيح العلة بما يرجع إلى حكمها في الفرع]

صفحة 355 - الجزء 1

  وكان شيخنا | يجيب عن ذلك بأنهما سواء، قال: لأن أحد المعللين وإن لم يقل ذلك فإن العموم يشهد لمطابقة إحدى العلّتين، فكانت أولى، وبعد فعنده يعني القاضي وهو عند الجميع أنه متى اقترن بالقياس خبر مجمل رجح به مع أن أحد المعللين يمكنه أن يقول في ذلك الخبر المجمل إنه ما أريد ما يخالف علتي، وقوله ذلك في المحتمل أمكن من قوله في العموم، ولا يلزم عليه ما يقوله من يذهب إلى القول الأول من أن العموم إذا كانت العلة الأخرى مخصصة له لم يسلم ظاهره، وإذا لم يسلم ذلك لم يصح أن يكون شاهد العلة المطابقة له؛ لأن العلة الموجبة لتخصيصه إذا عارضتها العلة الأخرى لم يسلم العموم لتعارضهما؛ فإذا شهد لأحدهما مع سلامته صحت سلامته بشهادته للعلة التي طابقته.

  ومنها: أن يكون حكم إحدى العلتين يتبعها في جميع فروعها دون الأخرى، وقد اختلف من أجاز تخصيص العلة في الترجيح بذلك؛ فبعضهم لا يرجح به، وبعضهم يرجح به، وهو الذي كان شيخنا | يصححه أعني الترجيح، واختيارنا هو الأول.

  وكان ¦ يحتج لقوله بأن لزوم الحكم بها أكسبها شبهاً بالعلل العقلية ويؤذن بلزومها لها في الأصل فكانت أولى.

  والذي يدل على صحة ما اخترناه: ما قد ثبت أن قيام الدلالة على صحة العلة الشرعية هو ثبوت تأثيرها في الحكم على الوجه الذي ذكرنا في تصحيح العلل، فإذا اجتمع فيها حكم الأصل وانبنى عليه حكم الفرع لتأثير العلة في حكم الأصل صحت العلة ولم تؤثر كثرة فروع الأخرى ولا يراعى أمر سوى ما ذكرنا في تصحيح العلة؛ لأنها لم تعتمد في الأصل إلا بصحتها، وقلة فروعها لا ينقض أصلها ولا يوجب ترجيح ذات الفرع عليها، وكون الأخرى أعم منها يرجع إلى كثرة مواضعه، وكثرة مواضعها لا يؤثر في قوة أصلها.