[ترجيح العلة بما يرجع إلى حكمها في الفرع]
  ومنها: أن يكون حكم إحدى العلتين أزيد من حكم الأخرى، نحو أن يكون حكم إحداهما ندباً، ويكون حكم الأخرى إباحة، فالتي حكمها الندب أولى؛ لأن الندب يتضمن شيئاً من معنى الإباحة الذي هو الحسن، ويزيد عليها فيكون أولى إذا كان الجميع شرعياً واختص الندب بزيادة شرعية، وهي كون فعله أولى، وهذا الوجه ذكره شيخنا، وهو الذي نختاره.
  ومنها: أن تكون إحدى العلتين قد شهدت به الأصول نحو أن يكون جنس ذلك الحكم ثابتاً في الأصول، مثل تحريم المثلة في الجملة، فالعلة المحرمة لمُثْلَةٍ مخصوصة أولى من المبيحة لها لأن الشريعة في الجملة تشهد لها، وهذا ذكره شيخنا ¦.
  ألا يمكن أن يقال: إن العلة التي توجب مثلة مخصوصة أولى من حيث كانت ناقلة والناقل أولى، وهذا لا يبعد عندنا صحته، ونحو أن يكون الكتاب والسنة قد شهدت لها أو بعضها فإن وقعت صريحة فهي الأصل في الدلالة بمقتضاها ولا وجه لذكر الترجيح لها، وإن مسها احتمال شديد جاز ترجيح القياس بها لوضوح دلالة القياس على دلالتها.
  ويقع الترجيح بقول الصحابي؛ لأنه أعلم بمقاصد النبي ÷، وكذلك إذا عضدت العلةُ علة أخرى وكان دليلهما مختلفاً، فإن ذلك يقتضي الترجيح كما ترجح أخبار الآحاد بعضها ببعض، وكما يرجح الخبر على خبر آخر بكثرة رواته، ولذلك كانت العلة التي لا تخصص العموم أولى من التي تخصصه؛ لأن لفظ العموم يشهد لها، وإلى ذلك ذهب الشيخ أبو الحسين البصري، وكان شيخنا ¦ يعتمده، وهو الذي نختاره.
  وذكر قاضي القضاة في الشرح أن هذا القول مخالف لما ذكرناه في الأصول لأن كلا المعللين قد اتفقا على مطابقة ذلك الأصل لإحدى العلتين، ولم يقع الإتفاق بينهما على ذلك في هذا الموضع؛ لأن أحد المعللين يقول ما أراد الله ø بالعموم ما تناولته العلة المخصصة.