مسألة: [الكلام في أنه لا تتساوى الأمارات عند المجتهد]
  ومنهم من قال: يكون المجتهد عند تساوي الأمارتين مخيراً في حكميهما وهو قول أبي علي وأبي هاشم والقاضي، وينبغي لنا أن نبدأ بالكلام في جواز التساوي، ثم نتبعه بالكلام في حكم المتساوي.
  فأما الذي يدل على جواز وقوع التساوي: فلأنه لا مانع يمنع من ذلك لأن الموانع المعقولة من التساوي لا تعدوا طريق العلة أو مكانها أو حكمها، ولا مانع من تجويز تساويهما فيما يرجع إلى كل واحد مما ذكرنا، ولأنا نعلم من نفوسنا تساوي الأمرين الراجعين إلى الأمارات في مثل ذلك لتساوي الأمارات كالأمن والخوف في طريق تريد سلوكه وبنصه لنا على كل واحد من الجائزين منه أمارة حتى يتوقف وينتظر أمراً آخراً، وكذلك في آراء الحروب وغيرها، وأقوى الأمور ما يجده الإنسان من نفسه إذ لا يصح المنع من العلم بما نجده من نفوسنا.
  وكان أبو الحسن يمنع من ذلك الذي هو تساويهما لأمر يرجع إلى حكمهما، وهو أن تساويهما يوجب الرجوع إلى التخيير والرجوع إلى التخيير لا يجوز، قال: لأنه لا لفظ منهما يدل على التخيير، ولأن الأمة مجمعة على بطلانه.
  والجواب على هذا بوجهين:
  أحدهما: أنه لا يؤدي إلى التخيير أعني القول بتساويهما، وإنما يؤدي إلى إطراحهما على ما سنذكره فيما بعد إن شاء الله.
  والثاني: أن امتناع جواز التخيير عنده بينهما لا يمنع من صحة تساويهما؛ لأن التخيير ليس بمحال في نفسه على القطع فيكون ما أدى إليه قضى باستحالته إذ لو كان محالاً لما صحّ اعتقاده فضلاً عن أن يكون مذهباً لمن اختاره من أهل العلم.
  وأما أن الأمة مجمعة على أنه لا يجوز التخيير في الأحكام؛ فلا سبيل إلى تصحيح هذه الدعوى بل خلافها مأثور من أهل العلم، وأن المروي عن أبي حنيفة التخيير في زكاة الخيل بين دفع دينار عن كل فرس في رأس الحول وبين تقويمه ودفع ربع عشر ثمنه.