صفوة الاختيار في أصول الفقه،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

مسألة: [الكلام في أنه لا تتساوى الأمارات عند المجتهد]

صفحة 360 - الجزء 1

  وكذلك الحسن البصري قال بالتخيير بين غسل الرجلين ومسحهما مسحاً عميماً لتساوي الأمارات عنده.

  وحكى عن عبيدالله بن الحسن العنبري⁣(⁣١) التخيير في أحكام الفروع المختلف فيها، وأكثر ما يدعي في ذلك وإن كان بعيداً لما ذكرنا فإنما يثبت مع التسليم أن يقال إن ذلك لم يوجد في قضايا السلف.

  والجواب عنه: بأنه لم يقع ولو وقع لكان الحكم التخيير لأنه كما جاز استواء الأمارات عنده أجاز اختلافها عنده فكل واحد من الأمرين لا مانع منه، ولأنه لو كان مؤدياً إلى التخيير فللقول بالتخيير وجه يمنع من القطع على بطلانه: وهو أن المكلف قد أخذ عليه في الشرعيات العمل بما قامت عليه دلالة الشرع، وقد قامت الدلالتان الشرعيتان على كل واحد من الحكمين وصحت كل واحدة منهما باعتبارها في نفسها في جميع الوجوه المعتبرة في صحة العلة عنده وغلب في ظن المجتهد أن الحق لا يعدوهما ولم يصح العمل بمجموعهما لكون ذلك مخالفاً لطريق العلماء فلم يبق إلا العمل بالتخيير؛ لأن المجتهد إذا كان متعبداً بأن يثبت للفرع الحكم الذي يغلب على ظنه أنه يجب الجمع بينه وبين الأصل فيه بالأمارة التي يقتضي غالب الظن في علته، وحصل له هذا المعنى في أصلين من حيث كان غالب ظنه يقتضي أن شبهه بأحدهما كشبهه بالأخرى، فما يوجب أن يكون متعبداً بأحد الحكمين فيه، يوجب أن يكون متعبداً بالآخر؛ فإذا استويا في أنه متعبد بهما على سواء ولم يصح ذلك في طريقة الجمع صح في طريقة التخيير.

  وقول أبي الحسن: إنه لا لفظ يدل على التخيير، لا تأثير له في المنع من التخيير إذا صح التخيير من جهة المعنى؛ لأن المعنى هو المعتبر في باب العلم دون اللفظ.

  وأما الذي يدل على صحة ما اخترناه: أن الأمارتين إذا استوتا وكانتا في أمرين مختلفين لم يغلب على ظننا صحة إحداهما دون الأخرى لتساوي الأمارتين والوجوه كما


(١) عبيدالله بن الحسن بن الحصين العنبري، مات سنة ثمان وستين ومائة. انظر: المنية والأمل.