صفوة الاختيار في أصول الفقه،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

مسألة: [الكلام في جواز تفويض الله إلى المكلف التحليل والتحريم]

صفحة 364 - الجزء 1

  فأما إذا نص في المسألة على حكم وكانت المسألة تشبه مسألة أخرى شبهاً يجوز أن يخفى على بعض المجتهدين، فإنه لا يجوز أن يضاف إليه مثل قوله المنصوص في المسألة الأخرى نحو أن ينظر فيها غير نظره في المسألة الأخرى، أو يعتمد فيها غير تلك الطريقة فيقول بخلاف ما تضمنته، فهذه طريقة القول في المذهب وكيفية إضافته إلى العالم.

مسألة: [الكلام في جواز تفويض الله إلى المكلف التحليل والتحريم]

  اختلف أهل العلم في جواز تفويض الله سبحانه إلى المكلف التحليل والتحريم والإباحة باختياره.

  فمنع أكثرهم من ذلك، وهو قول جماعة الحنفية، وكثير من الشافعية، وإليه ذهب أبو هاشم وأبو عبدالله وقاضي القضاة وأبو الحسين البصري والحاكم.

  وحكي عن الشيخ أبي علي أنه أجاز ذلك للنبي ÷ خاصة ذكر ذلك في قوله تعالى: {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ}⁣[آل عمران: ٩٣]، ثم رجع عن هذا.

  وحكي عن مؤيس بن عمران وجماعة من البصريين أنه تعالى قد فوض إلى رسول الله ÷ أن يحكم بما شاء لعلمه أنه لا يختار إلا الصواب، ثم فعل بعد ذلك مثله لصالح أمته فإذا سئل عن مسألة ليس فيها نص فله أن يفتي بما شاء.

  وحكي عن الشافعي تجويز ذلك في النبي ÷، والقول الأول هو الذي كان شيخنا | يعتمده، وهو الذي نختاره.

  والذي يدل على صحته: أن هذه الشرائع مصالح، والمصالح لا يجوز أن تكون موقوفة على اختيار العباد، فلا يجوز أن يفوض الأمر في ذلك إليهم، إذ لا هداية لهم إلى العلم بها لكونها من جملة الغيب الذي استأثر الله سبحانه بعلمه.

  يبين ذلك ويوضحه: أن المكلف قد يختار الصلاح وقد يختار الفساد على وجه السهو والعمد؛ فلو أباح الله للمكلف أن يحكم بما يختاره لكان فيه إباحة الحكم بما لا يأمن كونه فساداً، ومتى قيل: إنه يأمن ذلك لقوله تعالى له: إنك لا تحكم إلا بالحق.