صفوة الاختيار في أصول الفقه،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

مسألة: [الكلام في أن كل مجتهد مصيب في الفروع]

صفحة 365 - الجزء 1

  قلنا: لا يجوز أن يقول له ذلك؛ لأنه لا يجوز أن يستمر من المكلف اختيار الصلاح دون الفساد من غير علم بأعيان الصلاح، كما لا يجوز أن يتعبد الأمي بالكتابة المحكمة إذ يستحيل حصول ذلك منه بالإتفاق؛ لأن حصوله على ذلك الوجه ينقض كون الفعل المحكم دلالة العلم، ومعلوم أن ما أدى إلى ذلك قضي بفساده إذ قد تقررت لديه صحته، وكذلك الأخبار بالصدق يستحيل حصوله بالإتفاق على وجه الإستمرار ممن لا يعلم مَخْبَرُهُ، وفي تجويز هذا رفع الثقة بنبوة الأنبياء $ التي تكون معجزتهم الخبر بالغيب على وجه الصدق مستمراً.

  ولأنه لو جاز لشخص أن يعلم بالغيب مستمراً من غير علم بالمخبر لجاز من غيره من الأشخاص بل من سائر الأشخاص، لأن ما يحصل بالإتفاق لا تفترق فيه أحوال الناس، إذ لا يرجع فيه إلى دلالة ولا أمارة، فكذلك يرفع العلم بنبوة الأنبياء، وبنقض معجزاتهم، وذلك لا يجوز على ما هو مقرر في مواضعه من أصول الدين، ولأن ذلك يؤدي إلى أن يتعبد نبي أو أنبياء لا تظهر عليهم أعلام النبوة بأن يعلم الله من حال المكلف أنه لا يصدق إلا الصادق، وذلك باطل، ولأنه لو جاز ذلك في العالم لجاز في العامي؛ لأن ما يحصل بالإتفاق لا تختلف فيه أحوال العباد، وذلك خارج عما عليه الأمة ويؤدي إلى الحكم بالأهواء وتعطيل الشرائع وذلك لا يجوز.

مسألة: [الكلام في أن كل مجتهد مصيب في الفروع]

  اختلف أهل العلم في المجتهدين في الفروع؛

  فمنهم من قال: كل مجتهد فيها مصيب في اجتهاده وفيما أداه إليه اجتهاده، وحكاه شيخنا ¦ عن أبي الهذيل، وأبي علي، وأبي هاشم، وأبي عبدالله، وقاضي القضاة، والسيدين المؤيد بالله وأبي طالب @.

  وذكر أنه المحكي عن أبي الحسن، وحكاه عن أصحاب أبي حنيفة، وحكى غيره عنهم خلاف ذلك.