مسألة: [الكلام في أن كل مجتهد مصيب في الفروع]
  ما تواتر به النقل من الصحابة أنهم لما اختلفوا في مسائل الفروع نحو مسألة الإيلاء ومسألة الحرام وغيرهما من المسائل اختلفت أقاويلهم فيها، وكان كل واحد منهم يتولى من خالفه كما يتولى من وافقه على حسب علمهم في اختلافهم في القِرَآن، وكان كل منهم لا يمنع صاحبه من قوله الذي اختاره ولا يخطي المستفتي منه في فتواه.
  يبين صحة هذا: أنهم لو كانوا منكرين على الغير اختياره لوجب أن يعتقد كل منهم في من خالفه أن حكمه غير جائز فيما يحكم به، وأن العامي لا يجوز له أن يستفتيه، وقد علمنا من طريق الأخبار المتواترة أنهم لم يكونوا يسلكون هذه الطريقة فيما بينهم؛ لأن بعضهم كان لا يمنع من تولية الحكم من يخالفه في الإجتهاد بل لو حكم عليه بغير اجتهاده لانقاد له وأمضاه.
  وبعضهم يعتقد إمامة صاحبه مع أنه يخالفه في مثل ذلك، فلو كان الحق في واحد لكان المخالف له مخطياً، والساكت عن النكير مخطياً، والمتولي لمن فعل الخطأ مخطياً أيضاً، فكان يقع في ذلك اتفاق الصحابة على الخطأ، وذلك لا يجوز، ولا يمكن أن يقال إنما لم ينكروا ذلك؛ لأن المخطئ معذور؛ لأنه إذا لم يكن مصيباً كما ذكرنا لم يكن معذوراً إذ هو متمكن من الوصول إلى الحق وقَصَّرَ دونه فجرى مجرى من هو متمكن من الوصول إلى العلم فاقتصر على الظن، أو متمكن من الوصول إلى النص فاقتصر على القياس، ولا شك في خطأ من فعل ذلك إليهم إلا أن يقال إنه معذور على أنه لا سبيل له إلى الوصول إلى الحق بوجه من الوجوه، فهذا يسقط عنه تكليف إصابة الحق، إذ التعبد بغير الممكن لا يجوز لأنه جارٍ مجرى تكليف ما لا يطاق، فيرجع القول إلى رفع تكليف الإجتهاد، وذلك ما لم يقل به قائل، أو إلى القول بأن كل مجتهد مصيب وهو الذي قلناه سيما إذا كان في المسائل ما يعظم فيه الأمر، ويكثر فيه الجرم؛ لأن فيها ما يتعلق بإراقة الدماء وأخذ الأموال فأخطأ في ذلك وهو متمكن من الإصابة وهذا يؤدي إلى القطع، على أن في جملة الصحابة من أقدم على كبيرة ببعض هذه الأقاويل التي اختلفوا فيها، وأن الباقين تركوا إنكار ذلك، وهذا لا يجوز عليهم على ما قدمنا في غير موضع، إلا أن يكون