مسألة: [الكلام في أن كل مجتهد مصيب في الفروع]
  وحكى سفيان بن سحبان عنهم أن الحق في واحد، وكلام الشافعي يختلف، واختلف أصحابه فمنهم من قال: الحق في واحد والمخطئ معذور، ومنهم من قال: كل مجتهد مصيب، ويضيف ذلك إلى الشافعي وسوى فيه بين اجتهاده والحكم، وإن كان أحدهما أخطى الأشبه عند الله وسنذكر الأشبه فيما بعد إن شاء الله تعالى.
  وكان شيخنا | يذهب إلى ما ذهبت إليه مشائخنا من أن كل مجتهد مصيب في اجتهاده وفي ما أداه إليه اجتهاده وهو الذي نختاره.
  ومنهم من ذهب إلى أن الحق في واحد، وأن ما عداه باطل، وحكاه شيخنا عن الأصم(١) وبشر المريسي وابن علية(٢)، وأن الحق قولهم، وتجاوز الأصم إلى أن قال: حكم الحاكم ينقض به(٣) وقال: المخطئ في ذلك كالمخطئ في أصول الدين، وبنوا ذلك على قولهم إن على أعيان المسائل أدلة قاطعة توصل إلى العلم، وبطلان قولهم هذا حاصل لأهل العلم بما يجري مجرى الضرورة فلا يحتاج فيه إلى إفراد دلالة.
  وذهب أهل الظاهر فيما عدا القياس إلى أن الحق في واحد، وقال بعضهم: الحق في واحد والمجتهد مصيب في اجتهاده.
  فالذي يدل على صحة ما ذهب إليه مشائخنا من أن قول كل واحد من المجتهدين حق صواب:
(١) الأصم: أبو بكر عبد الرحمن بن كيسان الأصم، من المعتزلة من الطبقة السادسة، وكان من أفصح الناس وأفقههم وأورعهم؛ خلا أنه كان يخطي علياً # في كثير من أفعاله ويصوب معاوية في بعض أفعاله.
قال القاضي: ويجري منه حيف عظيم على أمير المؤمنين، وله تفسير عجيب، وكان أبو علي إذا ذكره قال: لو أخذ في فقهه ولغته لكان خيراً له. انظر كتاب المنية والأمل في شرح كتاب الملل والنحل.
(٢) إسماعيل بن إبراهيم الأسدي، المعروف بابن علية، توفي سنة ثلاث وتسعين ومائة، قال ابن معين: كان ثقة مأموناً ورعاً تقياً وأثنى عليه غيره. انظر الجداول (خ).
(٣) قال في المعتمد: وقالوا - أي الأصم وبشر المريسي وابن علية -: إن على الحق دليلاً يعلم به المستدل أنه قد وصل إلى الحق ويجب نقض الحكم بما خالف الحق) انتهى.