صفوة الاختيار في أصول الفقه،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

فصل: في ذكر الوجوه التي معها يجوز للمستفتي الرجوع إلى المفتي وقبول فتواه:

صفحة 379 - الجزء 1

  وذهب جعفر بن حرب وجعفر بن مبشر ومن طابقهما من متكلمي البغدادية إلى أنه لا يجوز للعامي تقليد العالم في ذلك، ولا الرجوع إليه إلا ليدله على طريقة الإجتهاد ليعمل باجتهاد نفسه، وقد تقدم الكلام على بطلان هذه المقالة بما فيه كفاية.

  وكان شيخنا | يعتمد القول الأول، وهو الذي نختاره.

  والدليل على صحته: إجماع الأمة على وجوب رجوع العامي إلى العالم في الفتوى من غير تفصيل منهم بينما الحق فيه واحد، وبين غيره من المسائل، فلا يجوز لمن بعدهم الفصل بغير دلالة.

  وما ذكره أبو علي من تجويز خطأ العالم فيما الحق فيه واحد لا يكون مانعاً من جواز تقليده؛ لأنه لا يقلد إلا من وثق بعلمه وورعه وجودة تمييزه بحيث يصلح للفتوى فيعلم والحال هذه أنه لا يكون أثقب نظراً من العالم وأهدى إلى طريقة الصواب؛ فيكون ظنه لتقليده أغلب فيجب عليه الرجوع إلى التقليد؛ لأنه يكون عنده أولى وظنه لصحة قول العالم أقوى، اللهم إلا أن يقدر أنه ظفر بطريق توصله إلى العلم فيما الحق فيه واحد فإنه يجب عليه العمل على مقتضاها ولا يجوز له التقليد.

فصل: في ذكر الوجوه التي معها يجوز للمستفتي الرجوع إلى المفتي وقبول فتواه:

  اعلم أن شروط الإستفتاء ترجع إلى أصل واحد وهو أن يغلب على ظن المستفتي أن من يستفتيه من أهل الإجتهاد والعلم، ويحصل له هذا الظن بوجوه:

  أحدها: أن يراه منتصباً للفتوى بمشهد من أعيان الناس، وأخذ الناس عنه، أو يعلم علمه أو يظنه.

  وأن يراه من أهل الدين بأن يرى سماة الخير عليه ظاهرة ويرى الجماعة مطبقة على سؤاله والأخذ عنه والفزع إليه.

  أو يعلم علمه أو يظنه وهو من أهل الدين، ولكن صرف الجماعة عن سؤاله بعض الصوارف من خوف السلطان وغيره؛ فإنه إذا أمكنه سؤاله جاز له العمل بفتواه، وإن لم يكن منتصباً للفتوى ولا مسؤولاً في تلك الحال.