مسألة: [الكلام في حال المستفتي إذا استوت عنده أحوال المفتين]
  كذلك إذا وجب على العامي الرجوع إلى العالم بحال يخصه واستوى عنده العلماء وتعذر عليه الرجوع إلى جميعهم وجب عليه الرجوع إلى أحدهم على وجه التخيير.
  وكان شيخنا ¦ قد اعترض على نفسه بأن قال: إذا استوى حالهم عنده كان شاكاً والعمل على الشك لا يجوز، فلم لا يقولون باطراح فتاويهم ولا يرجع إلى واحد منهم كما قلتم في العالم إذا استوت عنده الأمارات؟
  وأجاب عن ذلك: بأن بين الموضعين فرقاً؛ فإن العامي إذا استوت عنده أحوال المفتين فليس شاكاً في الأقاويل في حكم الحادثة؛ لأنه لم يبلغ درجة الإجتهاد فتعتدل عنده الأمارات، ولا قلنا بتخييره بين الأقاويل فيكون شاكاً في الأقاويل، وإنما هو شاك في تفاضل المفتين أو عالم أو ظان لفقد تفاضلهم مع علمه أو ظنه لاشتراكهم في العلم والدين.
  فإذا علم اشتراكهم وتساويهم في الوجه الذي يجوز لأجله استفتاؤهم فقد علم تساويهم في جواز الإستفتاء من أيهم شاء، بخلاف العالم إذا اعتدلت عنده الأمارات، فإنه لم يعلم اشتراك الأمارتين في الوجه الذي يجوز لأجله العمل بأيهما شاء؛ لأنه إنما يجوز له العمل على الأمارة متى غلب على ظنه أنها أقوى مما يعارضها من الأمارات فمتى لم يقو عنده بعض الأمارات على بعض لم يحصل له في واحدة منها شرط جواز العمل عليها، فوجب إطراح الجميع، بخلاف حال العامي فإن ظنه يغلب على تصويب الرجوع إلى كل واحد منهم على سبيل البدل في اجتهاده، وأن قوله حق فيجوز الرجوع إليه فيكون التخيير والحال هذه تخييراً بين واجبين.
  وإنما قلنا بأنه إذا اختار أحدهم للفتوى لم يجز له الرجوع إلى غيره؛ لأن رجوعه إلى غيره يمنعه من العمل ويخرجه من اليقين إلى الشك الذي لا يجوز المضي عليه؛ لأن أحدهما إذا أفتاه بحظر أمر وأفتاه الآخر بإباحته أو بوجوبه، وأفتاه الآخر بندبه، وكل واحد منهما مساوٍ للآخر في باب الظن لصحة قوله استوى عنده الأمارتان في النفي والإثبات ولم