صفوة الاختيار في أصول الفقه،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

مسألة: [الكلام في عدم جواز التقليد في أصول الدين]

صفحة 386 - الجزء 1

  التصريح فكذلك لا يجوز قبول فتوى الفاسق من جهة التأويل؛ لأنه جارٍ مجراه، وكذلك إذا علمنا غلطه في باب الإعتقاد مع أن الأدلة عليه أظهر وأشهر، وكونها موصلة إلى العلم فبأن يغلط في باب الإجتهاديات أولى لغموض أدلتها وضعف مذاهبها، ولأن أكثر مسائل الإجتهاد والقياس مأخوذة الأصول عن النبي ÷ بنقل الصالحين، وقد أفسدوا على نفوسهم النقل بتبرئهم من السلف الصالح فلا يوثق بقولهم بذلك.

  ولأنه لا يؤمن اجتهادهم في المسائل المنصوص عليها لردهم للنص الذي رواه أيضاً نجوز بل لنفورهم عنهم وقلة مخالطتهم لهم ولا يتميز للعامي ما يجوز لهم فيه الإجتهاد من غيره فلا يجوز الرجوع إليهم في الفتوى والحال هذه.

مسألة: [الكلام في عدم جواز التقليد في أصول الدين]

  فأما أصول الدين فلا يجوز التقليد فيها، وهذا مذهب الفقهاء وجل المتكلمين بل كلهم، وإنما خالف في ذلك جماعة من أصحاب الشافعي، حكى ذلك شيخنا ¦ عنهم مع أنهم منعوا من التقليد في أصول الشريعة كالصلاة والصيام.

  والذي يدل على بطلان ما قالوه: أن التقليد هو قبول قول الغير من دون مطالبة ببرهان ولا حجة، والمقلد - والحال هذه - لا يأمن خطأ من قلده خطأً يوجب الخلود في النار، ولا شك أن الله تعالى قد نصب على الأصول التي تعبدنا بالمصير فيها إلى العلم أدلة توصل كل ناظر إلى العلم إذا كان عاقلاً سليم الأحوال على ما ذلك مقرر في مواضعه من أصول الدين فلا يجوز التقليد والحال هذه لوجوه:

  أحدها: أن المقلد لا يأمن وقوعه في الضرر من أجل التقليد بأن يكون من قلده مخطئاً خطأ يستوجب به الخلود في النار، ودفع الضرر عن النفس واجب إذا أمكن وهو ممكن؛ لأنه إذا نظر على الوجه الصحيح حصل له ثلج الصدر، وطمأنينة النفس، وصار هذا بمثابة ما يعلم من حال أحدنا إذا سلك طريقاً مخوفاً لا يأمن كون العدو الغالب فيها أو السبع العادي، وأخبر الغير بسلامتها وبإزاء ذلك أيضاً من يخبره بكون الخوف فيها