صفوة الاختيار في أصول الفقه،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

مسألة: [الكلام في عدم جواز التقليد في أصول الدين]

صفحة 387 - الجزء 1

  وظاهر الجميع الستر، ولم يصل إلى العلم بخبر واحد منهما وكان متمكناً من استقرائها بالمشاهدة والمصير في أمرها إلى العلم؛ فإنه لا يجوز له عند جميع العقلاء - بل المقاربين لهم في الجنس كالمراهقين ومن جرى مجراهم - الإقتصار على التقليد دون المشاهدة الموصلة إلى العلم.

  ومنها: أنه لا يأمن الإقدام على القبيح وكل ما لا يأمن الإنسان الإقدام فيه على القبيح فإنه لا يجوز له الإقدام عليه، كما نعلمه من حال أحدنا أنه يقبح منه القطع على مخبر خبر لا يأمن كونه كذباً وليس ذلك إلا لأنه إقدام على ما لا يأمن كونه قبيحاً.

  ومنها: أنه لو جاز تقليد واحد لجاز تقليد الجميع وفي ذلك اعتقاد المتناقضات وذلك محال فما أدى إليه قضي بفساده، ولأنه كان يسوغ لليهود والنصارى تقليد أسلافها لأن الحال واحدة إذ ليس التقليد أكثر من قبول قول من يأنس به من غير اعتماد على برهان وفي ذلك تصويبها، وذلك ما لم يقل به أحد من المسلمين، ولا عليه برهان مبين، وكفى بالمذهب فساداً أن لا تشهد بصدقه دلالة بل قد قامت الدلالة على بطلانه.

  ولأن الله تعالى قد ذم المقلدين وعنفهم بالتقليد في كتابه المبين فقال وهو أصدق القائلين: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ ءَابَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ ءَابَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ}⁣[البقرة: ١٧٠].

  فلو كان التقليد صواباً لما ذمهم عليه سبحانه وتعالى؛ لأنه لا يذم إلا على فعل القبيح دون الحسن لعدله وحكمته وكون الذم على فعل الحسن قبيحاً معلوم لكل عاقل وهو تعالى لا يفعل القبيح.

  وتقرير هذه الجملة موضوع في أصول الدين لأنها أليق به فلا وجه لتطويل الكلام بها هاهنا، وقد ذكر فيه أهل العلم من الأئمة À والعلماء من أهل العدل والتوحيد رحمهم الله تعالى ما فيه كفاية لمن نظر بعين البصيرة، فلا وجه لتطويل الكلام به هاهنا.