صفوة الاختيار في أصول الفقه،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

فصل: [الكلام في طرق المعلوم بالدليل]

صفحة 402 - الجزء 1

فصل: [الكلام في طرق المعلوم بالدليل]

  ذكر شيخنا ¦ فيما يعلم بمجرد دلالة العقل وما يعلم بمجرد دلالة السمع، وما يعلم بمجموعهما.

  فقال: اعلم أن المعلوم بالدليل لا يخلو إما أن يعلم بالعقل فقط، أو يعلم بالشرع فقط، وإما بمجموع العقل والشرع.

  أما ما يصح أن يعلم بالعقل فقط، فهو: ما كان في العقل دليل عليه وكان العلم بصحة السمع موقوفاً على العلم به كالعلم بالله سبحانه وتعالى، وبصفاته من كونه قادراً على جميع أجناس المقدورات، وعالماً بجميع المعلومات، وحياً وغنياً، وأنه عدل حكيم، قال ¦: وقد أشرنا إلى ذلك في باب الإجماع.

  واعلم أنه يلحق عندنا بهذه المسائل أنه تعالى لا يشبه الأشياء، وأنه موجود، وقد بينا في باب الإجماع أن ذلك مما لا يصح العلم بالسمع إلا بعد العلم به مما فيه الكفاية إن شاء الله تعالى.

  وأما ما يصح أن يعلم بالعقل وبالشرع: فهو ما كان في العقل دليل عليه، ولم يكن العمل بالشرع موقوفاً على العلم به، ومثله بالعلم بأن الله تعالى موجود بناء على أصله في ذلك، وقد بينا الكلام فيه فيما تقدم وأنه لا يشبه الأشياء، وأنه مدرك للمدركات.

  فأما كونه تعالى مدركاً للمدركات فيمكن الإستدلال عليه عند من يرجع بالإدراك إلى معنى غير العلم زائد على العلم، فأما من يرده إلى العلم فلا يمكنه الإستدلال عليه بذلك ابتداء.

  قال: وكالعلم بأنه تعالى لا يرى لا في الدنيا ولا في الآخرة، وقد بينا في باب الإجماع أن الإستدلال على أنه تعالى لا يشبه الأشياء لا يصح الإستدلال عليه بالسمع فيلزم عليه أن لا يصح الإستدلال على نفي الرؤية بالسمع ابتداء.

  فأما بعد دلالة عقلية يمكن المنع بها أولاً من جواز الرؤية عليه فيجوز الإستدلال بالسمع بعد ذلك، لأن تظاهر الأدلة يكسبها قوة ويولد العلم بمدلولاتها، فيمكنا