مسألة: [الكلام في الأمر هل يدل على القضاء أم يحتاج إلى دليل آخر؟]
  وذهب جماعة من أهل العلم إلى أنه لا يقتضي ذلك، وهو قول قاضي القضاة، والحاكم، وهو الذي نصره القاضي شمس الدين في البيان.
  ثم اختلفوا في معنى الإجزاء، فالمروي عن قاضي القضاة أن معنى ذلك أن الفعل وقع على حدٍ لا يلزم فيه القضاء.
  وحكي عن الشيخ أبي الحسين البصري أن معنى قولنا إن الفعل مجز، هو أن المكلف بتأديته يخرج عن عهدة ما أمر به سواء لزمه القضاء بعد ذلك أم لا؛ لأن القضاء إنما يجب بدليل آخر كما قدمنا، وهو اختيار شيخنا.
  ومذهبنا: أن الأمر إذا ورد على وجه الإبتداء، وأُدي بشرطه وصفته خرج المأمور به عن عهدة الأمر، وسقط عنه القضاء، وكان مجزئاً، وإن لم يقع على هذا الوجه خرج عن كونه مجزئاً؛ لأنا نرى أن لفظ الإجزاء في العرف يقتضي لزوم سقوط القضاء، فيخرج بهذا الإحتراز عن إلزام مفسد(١) الحج والصوم، وعن المخاطب بالصلاة(٢) الذي يظن أنه على طهارة، فإنه يجب عليه الأداء في تلك الحال(٣)، والقضاء عند ذكر فساد الطهارة.
  وما ذكره الشيخ أبو الحسين البصري قوي على النظر إلا أنه ينقض بالعرف بين العلماء؛ لأنهم يعبرون عن الإجزاء بسقوط القضاء، وعن عدم الإجزاء بوجوبه.
(١) إلزام مفسد الحج هو: أنه يجب عليه إتمام بقية أركان الحج بعد فساده عليه بوطئ قبل الرمي، ولكن ذلك الإلزام بالإتمام لا يسقط عنه لزوم القضاء، ولا يخرجه عن عهدة الأمر؛ لأنه بدليل آخر، لكنه يقال: إن الحج الفاسد قد أجزى باعتبار الأمر الذي تناوله بعد فساده، وهو لزوم الإتمام، لا باعتبار الأمر الأول وهو وجوب الحج على الوجه الصحيح، فإنه لم يجز عنه إذ لو أجزى عن الأمر الأول، لما لزم قضاؤه، وإنما لزمه القضاء؛ لأنه لم يؤد الأمر على صفته وشرطه في الابتداء، وهذا هو موضع الاحتراز.
(٢) الذي يصلي في آخر الوقت، تمت مقنع.
(٣) ويخرج بذلك الأداء عن عهدة الأمر الأول إذ لا يمكنه أن يفعل غير ما فعل لفقد علمه بانتقاض الطهارة، ويسقط عنه الذم المستحق بالإخلال بها، وليس مع ذلك بمجز له في عرف العلماء. تمت مقنع.