مسألة: [في أن النهي حقيقة في القول دون الفعل]
  ما يكون عبادة وطاعة أن يكون حسناً حتى يصح أن يريده الله تعالى؛ لأنه تعالى لا يجوز أن يريد القبيح؛ فإذا لم يكن حسناً لم يكن مجزئاً ولا مسقطاً للفرض الواجب.
  قال |: وليس كذلك ما كان من باب المعاملات؛ فإنه ليس من شرط صحته أن يقع على وجه القربة والعبادة حتى يكون من شرطه أن يكون حسناً ومراداً لله تعالى، فلذلك لم يقتض النهي فساده، فعلى هذا إذا ورد النهي عن الوضوء بالماء المغصوب، وعن الصلاة في الدار المغصوبة، اقتضى فساد المنهي عنه في هذا الموضع، فلا يجوز الوضوء ولا الصلاة، ولا يسقط بهما الفرض، بخلاف ما قدمنا ذكره مما يتعلق به النهي في باب المعاملات وما جرى مجراها.
  قال ¦: فثبت بهذه الجملة ما ذهب إليه الشيخ أبو الحسين(١) في هذه المسألة.
  والذي يدل على صحة ما ذهبنا إليه: ما تقرر من ظاهر أحوال المسلمين من لدن النبي ÷ إلى يومنا هذا من الرجوع في فساد العقود الشرعية في المعاملات وغيرها إلى ظاهر نهي النبي ÷، نحو نهيه عن بيع الغرر، وبيع الإنسان ما ليس عنده، وعن بيوع الجاهلية، ونهيه عن نكاح المرأة على عمتها وعلى خالتها، وأمثال ذلك مما لا يحصى كثرة من الكتاب والسنة.
  وقد روي عن عبدالله بن عمر(٢) أنه قال: (ما زلنا نخابر حتى أخبرنا رافع بن خديج(٣) بأن النبي ÷ نهى عن ذلك)، وقوله: ما زلنا نخابر حكاية عن
(١) الذي ذهب إليه الشيخ أبو الحسين البصري هو ما ذكره في المعتمد في أصول الفقه (١/ ١٨٤) حيث قال: (وأنا أذهب إلى أنه يقتضي فساد المنهي عنه في العبادات دون العقود والإيقاعات).
(٢) عبدالله بن عمر بن الخطاب أبو عبدالرحمن، أسلم قديماً بمكة بإسلام أبيه، وشهد الخندق وما بعدها. ذكر الناصر للحق فيما رواه الإمام أبو طالب أنه لم يقاتل مع علي # في حروبه مع أنه يفضل أمير المؤمنين علياً # على من حاربه وهو من أصحاب الألوف في الحديث. توفي بمكة سنة ثلاث وسبعين، وله أربع وثمانون. =