عهده # للأمير الكبير علي بن المحسن والشيخ ظهير الدين أحمد بن حجلان
  يسهو الناس، هيهات هيهات، وكيف يكون ذلك وقد علم ما جهلوا، وحفظ ما أهملوا، وخاف ما أمنوا، واستلان من طاعة الله ما استخشنوا، واستقبح من معصية الله ما استحسنوا، فهل إلى الإقالة سبيل، أو بالسلامة كفيل، وكيف وقد استحكمت أناشيط عقد العهود، وحال الوعيد دون الهجود، بلى - رحمكما الله - المفازة تقطع بالدليل الشفيق، والمخافة تجاز بالرفيق الوثيق، فاجعلا إمامكما دليلكما في ملتبس سبيلكما، فإن الله تعالى قد صغر الدنيا في عينه حتى صار يراها بعين القلة، ويضربها بسوط الذلة، زادُه منها كزاد الراكب، لا يجمع لها شتاتاً، ولا يتزود منها بتاتاً، همه منها فرسه وسلاحه، وما يستعين به على جهاد عدوه، وما عدا ذلك يراه حجراً محجوراً، ودنيّاً مهجوراً.
  وعليكما بالأناة في أموركما، وترك العجلة في تصرفاتكما، فإن الأناة ثمرة العقل، والعجلة ثمرة الجهل، أعاذنا الله وإياكما من الجهل المؤدي إلى الخسران، والإفراط المجاوز للإيمان، فإذا التبس عليكما أمر فاتركا سنة الاستبداد، وافزعا إلى المشورة لأهل العقول، واعلما أن للمشورة آفة إن سلمتما منها نلتما نفعها إن شاء الله.
  وهو أن المشير لا بد أن يجمع أربعة أمور: الدين، والعقل، والنصح، والمودة.
  ومن كان بغير هذه الصفة فمشورته الداء الدفين، وبعد هذه الخصال تصح المشورة وتثمر، لكنها لا تستمر ما لم يعلم المستشير طبع المشير، فإنّ جهلَ المستشير طبعَ المشير أمرٌ يؤدي إلى الغرر، ويوصل إلى ميدان الضرر، وإنما كان كذلك لأن المشير إنما يشير بما يناسب طبعه:
  إن كان نزقاً أشار بالتنمر والعجلة.
  وإن كان جباناً أشار بالوهن والاستكانة.