حكاية من (أمالي المرشد بالله) رضوان الله تعالى عليه
  ندائي، ومن يؤمن روعتي؟ ومن يطلق لساني إذا غشيني في النور؟ ثم سألتني عما أنت أعلم به مني، فإن قلت: لم أفعل، قلت: ألم أكن شاهداً أرى، وإن قلتُ: أين المهرب من عدلك؟ فمن عدلك من يجيرني؟ ومن عذابك من ينجيني؟ يا ذخري، ويا ذخيرتي، ويا موضع بثي وشكواي من لي غيرك؟ إن دعوت غيرك لم يجبني، وإن سألت غيرك لم يعطني، فرضاك قبل لقاك، ورضاك قبل نزول النار.
  يالها فَطَاعة ليلة بتها بين أهلي قد استوحشوا لمكاني عندهم، وقد كانوا قبل ذلك يأنسون بقربي، خمدت فما أجبت داعياً ولا باكياً، يبكون ميتاً بين أظهرهم مسجّى، فما كان همهم حين أصبحوا إلا غاسلاً، نزعوا خاتمي، وجردوا عني ثيابي، ووضئوني لغير صلاة، حتى إذا فرغوا قال: جففوه، وقربوا أكفاناً فأدرجوني فيها، وأنا سطيح على أعواد المنايا إلى عسكر الموتى، مروا بي على الناس فكم ناظر متفكر، وآخر عن ذلك لاهٍ، بكى أهلي وأيقنوا أنها غيبتي لا يرجون لقائي، نادوا باسمي فأسمعوا من حولي ولم يسمعوني، ولقد عظم الذي إليه يحملونني نزل قبري ثلاثة كأنهم بذحل يطلبوني، فدليت في أضيق مضجع، وصار الرأس تحت الثرى وبه وسدوني فيا رب ارحم عثرتي، وآنس وحشتي، وبرد مضجعي، ونور في القبور قبري [وشاهد الحال]:
  قصدتك لا أدلي بقربى ولا يد ... إليك سوى أني بجودك واثق
  فإن قلت لي خيراً أكن لك شاكراً ... وإن قلت لي عذراً فإنك صادق
  ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي ... جعلت الرجا مني لعفوك سلما
  تعاظمني ذنبي فلما عدلته ... بعفوك ربي كان عفوك أعظما
  فمازلت ذا عفو عن الذنب راحماً ... تجود وتعفو مِنَّةً وتكرُّما