طرائف المشتاقين من قصص الأولياء والصالحين،

القاسم بن أحمد المهدي (معاصر)

حكاية للعائدين إلى الله

صفحة 289 - الجزء 1

  سفينة مصرية تمخر عباب المحيط الأطلسي إلى نيويورك من بين عشرين ومائة. راكب وراكبة ليس فيها مسلم. وخطر لنا أن نقيم صلاة الجمعة في المحيط على ظهر السفينة! والله يعلم أنه لم يكن بنا أن نقيم الصلاة ذاتها أكثر مما كان بنا حماسة دينية إزاء مبشر كان يزاول عمله على ظهر السفينة وحاول أن يزاول تبشيره معنا، وقد يسر لنا قائد السفينة وكان إنجليزياً أن نقيم صلاتنا، وسمح لبحارة السفينة وطهاتها وخدمها وكلهم نوبيون مسلمون أن يصلي منهم معنا من لا يكون في الخدمة وقت الصلاة، وقد فرحوا بهذا فرحاً شديداً؛ إذ كانت هذه هي المرة الأولى. التي تقام فيها صلاة الجمعة على ظهر السفينة، وقمت بخطبة الجمعة وإمامة الصلاة، والركاب الأجانب معظمهم متحلقون يرقبون صلاتنا، وبعد الصلاة، جاءنا كثيرون منهم يهنئوننا على نجاح القُداس فقد كان هذا أقصى ما يفهمونه من صلاتنا، ولكن سيدة من هذا الحشد عرفنا فيما بعد أنها يوغسلافية مسيحية هاربة من جحيم [تيتو] وشيوعيته، كانت شديدة التأثر والانفعال تفيض عيناها بالدمع ولا تتمالك مشاعرها ... جاءت تشد على أيدينا بحرارة، وتقول في إنجليزية ضعيفة: إنها لا تملك نفسها من التأثر العميق بصلاتنا هذه وما فيها من خشوع ونظام وروح ... إلخ. وبعد ذلك كله وفي ظلال هذه الحالة الإيمانية راح سيد يخاطب نفسه قائلاً: أأذهب إلى أمريكا وأسير سير المبتعثين العاديين الذين يكتفون بالأكل والنوم أم لا بد من التميز بسمات معينة؟! وهل غير الإسلام والتمسك بآدابه والالتزام بمناهجه في الحياة وسط المعمعات المترفة المزودة بكل وسائل الشهوة واللذة الحرام ..؟!

  قال: وأردت أن أكون الرجل الثاني المسلم الملتزم وأراد الله أن يمتحنني هل أنا صادق فيما اتجهت إليه أم هو مجرد خاطرة؟!. وكان ابتلاء الله لي بعد دقائق من