قصة الذي آتاه الله آياته فانسلخ منها
  هذا الرجل العدو الذي قد أرهقنا فادع الله أن يرد عنا موسى وقومه، فقال لهم بلعام: ويلكم هذا نبي الله، ومعه الملائكة والمؤمنون، كيف أدعو عليهم وأنا أعلم من الله ما أعلم، وإني إن فعلت ذلك ذهبت دنياي وآخرتي، فلم يزالوا به حتى قال لهم: اصبروا حتى أستأمر ربي، وكان لا يدعو حتى ينتظر ما يؤمر به في المنام فتآمر في الدعاء عليهم في المنام فقيل له: لا تدع عليهم فقال لقومه: إني قد أمرت ربي في الدعاء فنهيت عن ذلك، فراجعوه فقال: أوامر ثانياً، فأمر فلم يجب فقال: قد أمرت فلم يجب لي شيئاً، فقالوا: لو كره ربك أن تدعو عليهم لنهاك كما فعل في المرة الأولى، فلم يزالوا يرفقون به ويناشدونه ويضرعون إليه حتى فتنوه فافتتن، فقالوا لبعضهم: أهدوا إليه، فيقال: أنهم أهدوا إليه هدية فقبلها، ويقال: إن بلعام بن باعورا لما أبى أن يدعو على موسى وقومه اجتمع آراء قومه أن يحملوا شيئاً إلى امرأته، قالوا: إنها فقيرة وإنه فقير وإنه يصغي إلى رأيها، فانطلق عشرة من عظمائهم، وحمل كل واحد منهم صحيفة من ذهب مملوءة ورقاً فأهدوها لها فأقبلت على صاحبها وألحت عليه حتى قالت له: ارجع إلى ربك فاسأله أن يأذن لك في مؤازرتهم والدعاء على عدوهم، فلم تزل به حتى استجاب، فلم يجب إليه بشيء، فقالت له: إنه قد خيرك في الدعاء عليهم، فلو لم يأذن لك لنهاك، قالوا: فركب أتاناً له متوجهاً إلى جبل يطلعه على عسكر بني إسرائيل يقال له حسان، وكانت مراكب العباد الأولين الأُتن، فما سار عليها غير بعيد حتى ربضت به فنزل عنها وضربها حتى أذلقها، فقامت فركبها، فلم تسر به كثيراً حتى ربضت به، ففعل بها مثل ذلك، فقامت فركبها فلم تسر به كثيراً حتى ربضت به فضربها حتى أذلقها، وأذن الله تعالى لها في الكلام حجة عليه فقالت: ويحك يا بلعام أين تذهب؟ ألا ترى أن الملائكة أمامي تردني عن وجهي هذا؟ أتذهب إلى نبي الله والمؤمنين تدعو عليهم؟ فلما سمع ذلك خر ساجداً فلم يزل