طرائف المشتاقين من قصص الأولياء والصالحين،

القاسم بن أحمد المهدي (معاصر)

ومن كتاب (نهاية الظالمين) للحازمي أيضا

صفحة 335 - الجزء 1

  ويستدعيهم العقيد مرة ثانية وثالثة ورابعة ... الخ. وحتى تشرق الشمس، وكان إذا خفت صوته استعمل الجرس الكهربائي فيضعه في جيبه ويضغط على زره بإلحاح شديد وتبقى يده على زر الجرس حتى بعد قدوم الممرض أو الممرضة، كان يريد أن تبقى الممرضة معه الليل كله، وكان يريد أن يبقى معه الممرض الليل كله، فإذا بقيا تلبية لطلبه نسي بعد لحظات وجودهما في غرفته وانطلق ينادي وانطلق جرسه يرن. وحين زرته أجهش بالبكاء وحدثني بقصته فقال:

  كنت في شرطة الفرنسيين وكنت برتبة عقيد أقود الشرطة المحلية، وكانت بيروت تخافني وكان اسمي يخيف أشجع الشجعان، وكان الفرنسيون يعتمدون علي، وكنت أخلص لهم كل الإخلاص، وكنت أؤدي واجبي على أحسن ما يرام، فإذا عجز الفرنسيون عن اكتشاف جريمة من الجرائم أحالوا المجرم إلي فكنت أستخلص منه الاعترافات بالقوة، كنت لا أرحم أحداً وكنت أمارس أنواع التعذيب، وكان المجرمون ينهارون فيعترفون بما أريد أو يريد الفرنسيون فيساقون إلى المحاكم لينالوا ما يستحقونه من عقاب، ومضى يسرد على مسمعي أربعة وثمانين نوعاً من التعذيب كان يمارسه مع المتهمين؛ فاقشعر بدني من هول سرده وتعذيبه.

  ثم قال: ما أعانيه اليوم عذاب من الله فقد سقت إلى المحاكم كثيراً من الأبرياء، وعذبت كثيراً من الصالحين إرضاء لأسيادي الفرنسيين.

  مضى الفرنسيون إلى غير رجعة وبقي العقيد تلاحقه اللعنات، حتى زوجته وأولاده وذوي قرباه لا يحبونه ويتمنون على الله أن يموت لأنه يعذبهم بصراخه وزعيقه، ولكنه يعذب نفسه أكثر مما يعذب الآخرين، رحل أسياده وبقي