الكلام عن الدنيا وتقلبها بأهلها
الكلام عن الدنيا وتقلبها بأهلها
  حكي من توفيق المرء أن يصرف حب الدنيا عن قلبه ويروض نفسه على تركها لأنها تلهيه عن آخرته، وأن يتوق الركون إليها والأمان منها، فإن الركون إليها أشر، والأمان منها بطر، وروي عنه ÷: «من أشرب قلبه حب الدنيا وركن إليها التاط منها بشغل لا يفرغ عناه، وأمل لا يبلغ منتهاه، وحرص لا يدرك مداه».
  وقال عيسى بن مريم #: الدنيا لإبليس مزرعة، وأهلها له حراث.
  وقال الإمام علي بن أبي طالب ¥: مثل الدنيا مثل الحية لين مسها، قاتل سمها، فأعرض عما أعجبك منها لقلة ما يصحبك منها، وضع عنك همومها لما أيقنت من فراقها، وكن أحذر ما تكون لها وأنت آنس ما تكون بها، فإن صاحبها كلما اطمأن منها إلى سرور أشخصه عنها إلى مكروه، وإن سكن منها إلى إيناس أزاله عنها إلى إيحاش.
  وقال بعض البلغاء: الدنيا لا تصفو لشارب، ولا تبقى لصاحب، ولا تخلو من فتنة، ولا تخلو من محنة، فأعرض عنها قبل أن تعرض عنك، واستبدل بها قبل أن تستبدل بك، فإن نعيمها ينتل، وأحوالها تتبدل، ولذاتها تفنى، وتبعاتها تبقى.
  وقال بعض الحكماء: انظر إلى الدنيا نظر الزاهد المفارق لها، ولا تتأملها تأمل العاشق الوامق بها.
  وقال بعضهم:
  ألا إنما الدنيا كأحلام نائم ... وما خير عيش لا يكون بدائم