طرائف المشتاقين من قصص الأولياء والصالحين،

القاسم بن أحمد المهدي (معاصر)

صورة مما كان عليه الصحابة من الصبر والجهاد

صفحة 367 - الجزء 1

  انتدب - عليه الصلاة والسلام - ستة نفر من الصحابة ليحملوا كتبه إلى ملوك العرب والعجم وكان أحد هؤلاء الستة عبد الله بن حُذافة السهمي فقد اختير لحمل رسالة النبي ÷ إلى كسرى ملك الفرس.

  جهز عبدالله بن حذافة راحلته، وودع صاحبته وولده، ومضى إلى غايته ترفعه النجاد، وتحطه الوهاد، وحيداً فريداً ليس معه إلا الله حتى بلغ ديار فارس فاستأذن بالدخول على ملكها وأخطر الحاشية بالرسالة التي يحملها له. عند ذلك أمر كسرى بإيوانه فزُيّن، ودعا عظماء فارس الحضور مجلسه فحضروا ثم أذن لعبد الله بن حذافة بالدخول عليه.

  دخل عبدالله بن حذافة على سيد فارس مشتملا شملته الرقيقة، مرتدياً عباءته الصفيقة عليه بساطة العرب. لكنه كان عالي الهامة مشدود القامة تتأجج بين جوانحه عزة الإسلام، ويتوقد في فؤاده نور الإيمان، فما أن رآه كسرى مقبلاً حتى أومأ إلى أحد رجاله بأن يأخذ الكتاب من يده فقال: لا إنما أمرني رسول الله ÷ أن أدفعه لك يدا بيد وأنا لا أخالف أمراً لرسول الله ÷. فقال كسري لرجاله: اتركوه يدنو مني فدنا من كسرى حتى ناوله الكتاب بيده. ثم دعا كسرى كاتباً عربياً من أهل الحيرة وأمره أن يفض الكتاب بين يديه وأن يقرأه عليه فإذا فيه: « من محمد رسول الله إلى كسري عظيم فارس سلام علي من اتبع الهدى ..» فما أن سمع كسرى من الرسالة هذا المقدار حتى اشتعلت نار الغضب في صدره فاحمر وجهه وانتفخت أوداجه لأن الرسول - عليه الصلاة والسلام - بدأ بنفسه ... فجذب الرسالة من يد كاتبه وجعل يمزقها دون أن يعلم ما فيها وهو يصيح: أيكتب لي بهذا وهو عبدي؟! ثم أمر بعبد الله بن حذافة أن