طرائف المشتاقين من قصص الأولياء والصالحين،

القاسم بن أحمد المهدي (معاصر)

صورة مما كان عليه الصحابة من الصبر والجهاد

صفحة 368 - الجزء 1

  يخرج من مجلسه فأُخرج. خرج عبد الله بن حذافة من مجلس كسرى وهو لا يدري ما يفعل الله به. أيقتل أم يترك طليقاً؟ لكنه ما لبث أن قال: والله ما أبالي على أي حال أكون بعد أن أديت كتاب رسول الله ÷ وركب راحلته وانطلق. ولما سكت عن كسرى الغضب أمر بأن يدخل عليه عبد الله فلم يوجد ... فالتمسوه فلم يقفوا له على أثر. فطلبوه في الطريق إلى جزيرة العرب فوجدوه قد سبق. فلما قدم عبدالله على النبي ÷ خبره بما كان من أمر كسرى وتمزيقه الكتاب فما زاد - عليه الصلاة والسلام - على أن قال: «مزق الله ملكه».

  أما كسرى فقد كتب إلى باذان نائبه على اليمن أن ابعث إلى هذا الرجل الذي ظهر بالحجاز رجلين جلدين من عندك ومرهما أن يأتياني به ... فبعث باذان رجلين من خيرة رجاله إلى رسول الله ÷ وحملهما رسالة له يأمره فيها بأن ينصرف معهما إلى لقاء كسرى دون إبطاء ... وطلب إلى الرجلين أن يقفا على خبر النبي ÷ وأن يستقصيا أمره وأن يأتياه بما يقفان عليه من معلومات.

  خرج الرجلان يغذان السير حتى بلغا الطائف فوجدا رجالاً تجاراً من قريش فسألاهم عن محمد ÷ فقالوا: هو في يثرب، ثم مضى التجار إلى مكة فرحين مستبشرين، وجعلوا يهنئون قريشاً ويقولون: قروا عيناً فإن كسرى قد تصدى لمحمد وكفاكم شره. أما الرجلان فيما وجهيهما شطر المدينة حتى إذا بلغاها لقيا النبي ÷ ودفعا إليه رسالة باذان وقالا له: إن ملك الملوك كسرى كتب إلى مليكنا باذان أن يبعث إليك من يأتيه بك ... وقد أتيناك لتنطلق معنا إليه فإن أجبتنا كلمنا كسرى بما ينفعك ويكف أذاه عنك، وإن أبيت فهو من قد علمت سطوته وبطشه وقدرته على إهلاكك وإهلاك قومك.