حكاية التاجر المؤمن المتصدق
  يتجاذبان أطراف الحديث، وكان الحديث ذا شجون فطال أمده حتى نام الولد على فراش الضيف بعد أن غلبه النعاس، ولم يشأ الضيف أن يوقظ ابن مضيفه، فترك فراشه له بعد أن أحكم عليه الغطاء ثم آوى إلى فراش ابن المضيف.
  وحين قدم المضيف إلى غرفة الضيف وابنه كان متأكداً من موضع فراش كل واحد منهما، فذبح ابنه وهو يريد الضيف، فكان كالخارجي الذي أراد اغتيال عمرو بن العاص في عماية الفجر فاغتال بدله خارجة بن حذافة، فلما علم بالخبر هتف من صميم قلبه أردت عمراً وأراد الله خارجة، ودفن الجيران الولد القتيل واستقر أبوه في السجن.
  على شجر الخابور على نهر الفرات قرب قرقيسياء كانت يمامتان تتناجيان بما يتناجى به الناس من خبر قصة الضيف والمضيف وقصة عدالة الله العزيز الحكيم قالت الأولى: إن الله هو الغني والناس فقراء والله هو الرزاق العليم ورزقه مكتوب لكل ذي روح، فليطلب المرء رزقه حلالاً.
  وقالت الثانية: لا حارس كالأجل والله هو الرقيب الحسيب، فإذا نام الخلق فالخالق لا ينام، ولن تموت نفس حتى تستوفي أجلها. {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ٢}[الطلاق] والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه.
  وقالت الأولى: الظلم لا يدوم وإن دام لا يدوم، والعدل يدوم ويزدهر، والظلم ظلمات، ومن بعض ظلماته السجون، والعدل نور ومن بعض نوره راحة الضمير، والوقوف أمام الله تعالى بقلب سليم.
  قال الحازمي في (عدالة السماء) ص ٤٦: والقصة أصلها في كتاب المحاضرة للقاضي التنوخي.