طرائف المشتاقين من قصص الأولياء والصالحين،

القاسم بن أحمد المهدي (معاصر)

حكاية صاحب شرطة بغداد واللصوص والملاح

صفحة 399 - الجزء 1

  سمريتي أبول وهذه سمريّتي - وأومأ إليها - أي شيء بيني وبينكم؟ فضربناه، وقلنا: أنت اللص الذي هرب من الخشبة، وجبناه (يعني أحضرناه) ورقيناه إلى الخشبة وصلبناه مكان اللص الهارب وهو يصيح طول الليل ويبكي، فتقطعت قلوبنا رحمة له، وقلنا مظلوم ولكن ما الحيلة؟ فلما كان من الغد ركب الأبزاعجّي إلى الحبس وجاء وقد اجتمع الناس ليضرب أعناق القوم فصاح به الملاح أيها الأستاذ - وكذا كان يخاطب وهو اسم لكل من يتقلد رياسة الشرطة ببغداد - بوقوفك بين يدي الله ادعني واسمع مني كلامي فلست من اللصوص الذين أخرجتهم وأمرت بصلبهم وأنا مظلوم وقد وقعت بي حيلة فأنزله وقال: ما قصتك؟ فشرح له حديثه على حقيقته، فدعا بنا وقال: ما هذا الرجل؟ فقلنا ما نعرف ما يقول سلمت إلينا عشرين رجلاً وهؤلاء عشرون رجلاً، فقال: قد أخذتم من أحد اللصوص دراهم وأطلقتموه واعترضتم هذا من الطريق رجلاً غريباً بريئاً فأخذتموه، فقلنا ما فعلنا، اللص الذي سلمته إلينا هو هذا.

  فضرب أعناق الجماعة وترك الملاح وقال: هاتم السجانين والبوابين فجاءوا، فقال لهم: هذا من جملة العشرين الذين أخذناهم، فتأملوه بأجمعهم، وقالوا: لا، ففكر ساعة ثم أمر بإطلاقه. ثم قال: هاتوه إلي فرددناه، فقال: اشرح لي قصتك، فأعاد عليه الحديث فقال له: في نصف الليل أي شيء كنت تعمل هناك في ذلك الموضع؟ فقال: كنت قد بت في سماريتي فأخذتني بولة فصعدت أبول، قال: ففكر ساعة، ثم قال له: اصدقني على الحقيقة حتى أطلقك، أي شيء كنت تعمل هناك؟ فلم يخبره بغير ذلك، قال: وكان من رسمه إذا أراد أن يقرر إنساناً قرره، وهو قائم بين يديه نفسين وورائه جماعة بمقارع، فإذا حك رأسه ضُرب المقرّر