طرائف المشتاقين من قصص الأولياء والصالحين،

القاسم بن أحمد المهدي (معاصر)

أبو عبد الله سعيد بن جبير الأسدي

صفحة 420 - الجزء 1

  قال: فأيهم أرضى للخالق؟ قال: علم ذلك عند الذي يعلم سرهم ونجواهم، قال: أحب أن تصدقني، قال: إن لم أجبك لن أكذبك، قال: فما بالك لم تضحك؟ قال: وكيف يضحك مخلوق خلق من طين والطين تأكله النار. قال: فما بالنا نضحك، قال: لم تستو القلوب.

  ثم أمر الحجاج باللؤلؤ والياقوت فجمعه بين يديه فقال سعيد: إن كنت جمعت هذا لتتقي به فزع يوم القيامة وإلا ففزعة واحدة تذهل كل مرضعة عما أرضعت، ولا خير في شيء جمع للدنيا إلا ما طاب وزكا، ثم دعا الحجاج بالعود والناي فلما ضرب بالعود ونفخ في الناي بكى سعيد، فقال: ما يبكيك هو اللعب؟ قال سعيد: هو الحزن، أما النفخ فذكرني يوماً عظيما {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ}⁣[الأنعام: ٧٣]، وأما العود فشجرة قطعت في غير حق، وأما الأوتار فمن الشاء تبعث معها يوم القيامة، قال الحجاج: ويلك يا سعيد قال: لا ويل لمن زحزح عن النار وأدخل الجنة، قال الحجاج: اختر يا سعيد أي قتلة أقتلك. قال: اختر لنفسك يا حجاج فوالله لا تقتلني قتلة إلا قتلك الله مثلها في الآخرة. قال: أفتريد أن أعفو عنك؟ قال: إن كان العفو فمن الله، وأما أنت فلا براءة لك ولا عذر، قال الحجاج: اذهبوا به فاقتلوه، فلما خرج ضحك فأخبر الحجاج بذلك فرده وقال: ما أضحكك؟ قال: عجبت من جرأتك على الله وحلم الله عليك؛ فأمر بالنطع فبسط وقال: اقتلوه، فقال سعيد: وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً مسلماً وما أنا من المشركين، قال: وجهوا به لغير القبلة، قال سعيد: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}⁣[البقرة: ١١٥] قال: كبوه لوجهه، قال سعيد: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى ٥٥}⁣[طه] قال الحجاج: اذبحوه، قال سعيد: أما إني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله خذها مني حتى تلقاني بها يوم القيامة، ثم دعا سعيد