أبو عبد الله سعيد بن جبير الأسدي
  فقال: اللهم لا تسلطه على أحد يقتله بعدي. وكان قتله في شعبان سنة خمس وتسعين للهجرة بواسط ودفن في ظاهرها مشهوراً مزوراً وعمره تسع وأربعون سنة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وألحقه بأوليائه الصالحين، وكان سعيد يقول يوم أخذ: وشى بي واشٍ في بلد الله الحرام أكله إلى الله تعالى. يعني خالد بن عبد الله القسري، ولما قتل سال منه دم كثير فاستدعى الحجاج الأطباء وسألهم عنه وعمن كان قتله قبلهم فإنه كان يسيل منهم دم قليل فقالوا له: هذا قتلته ونفسه والدم تبعا للنفس، ومن كنت قتلته قبله كانت نفسه تذهب من الخوف فلذلك قل دمهم، وقيل للحسن البصري: إن الحجاج قد قتل سعيد بن جبير فقال: اللهم انت على فاسق ثقيف، والله لو أن ما بين المشرق والمغرب اشتركوا في قتله لكبهم الله ø في النار.
  مات الحجاج بعده بخمسة عشر يوماً في شهر رمضان من السنة ولم يسلط على أحد بعده، وقيل: إن الحجاج قال بعد قتله: فكوا قيودي أخرجوا قيودي، ولما حضرته الوفاة كان يغيب ويفيق، ويقول: ما لي ولسعيد بن جبير، وقيل: إنه في مدة مرضه كان إذا نام رأى سعيد بن جبير آخذاً بمجامع ثوبه ويقول له: يا عدو الله فيم قتلتني؟ فيسقط مذعوراً ويقول: ما لي ولسعيد بن جبير، وفي ذلك أخبار كثيرة.
  أما خالد القسري فقد عزله هشام وأبدله بيوسف بن عمر الثقفي وعهد إليه بحبس خالد وعماله، ومحاسبته، وعذَّبه، ثم قُتل في أيام الوليد بن يزيد، قيل: إنه أدخل سيخ في فمه وأخرج من دبره وشواه على تنور، وقيل: وضع قدميه بين خشبتين وعصرهما حتى انقصفتا، ثم رفع الخشبتين إلى ساقيه وعصر هما حتى انقصفتا ثم إلى وركيه إلى صلبه.