أبي وقاص وسعيد بن زيد قد لزما بيوتهما بالعقيق فلم يكونا يأتيان المدينة لجمعة ولا غيرها.

  وقال سفيان الثوري: قال لي جعفر بن محمد الصادق: يا سفيان فسد الزمان، وقل الإخوان، وتقلبت الأعيان، فاتخذ الوحدة. أمعك شيء تكتب فيه؟ فقلت: نعم، فقال:

  لا تجزعن لوحدة وتفرد ... ومن التفرد في زمانك فازدد

  ذهب الإخاء فليس ثمة إخوة ... إلا التملق باللسان وباليد

  وإذا كشفت ضميره عن قلبه ... وافيتَ منه نقيع سم الأسود

  فقلت: يا سيدي زدني فقال: اعمل بهذا طول عمرك فإنه ينفعك.

  وقال الإمام إبراهيم بن عبد الله بن الحسن: طوبى لمن كان منطقه ذكراً، ونظره اعتباراً وسكوته تفكراً ووسعه بيته وبكى على خطيئته.

  وسكن الإمام القاسم بن إبراهيم # جبال الرس بين المدينة وينبع وهي بلاد لا يهتدي إليها إلا أهل تلك البلاد العارفون لها، ولا يصل إليها إلا بدوي يتنقل إليها وإلى غيرها، ومن شعره # قوله:

  أنستُ إلى التفرد طولَ عمري ... فمالي في البريةِ من أنيس

  وجانبتُ اللئامَ وطابَ عيشي ... وجانبني لذلك كلُّ بؤس

  لأنَّ الحرَّ في الدنيا قليلٌ ... ونفسي لا تميلُ إلى الخسيس

  وأغناني قنوعِي عن لئيم ... أمدُّ إليه ضُرِّي أو رئيس

  وكان السيد علي بن عبد الله بن الحسين # مشغولاً بالعبادة والخلوة والاعتزال لا يصل إليه أحد ولا يأذن له. واختار العزلة وارتضاها الإمام المرتضى محمد بن يحيى # وله في ذلك خطبة بليغة.