طرائف المشتاقين من قصص الأولياء والصالحين،

القاسم بن أحمد المهدي (معاصر)

فوائد العزلة وأدلتها كتابا وسنة

صفحة 448 - الجزء 1

  وقال سفيان الثوري: هذا وقت السكوت وملازمة البيوت، وقال: والله لقد حلّت العزلة. وحبس طاووس في بيته فقيل له في ذلك فقال: فساد الزمان وحيف الأئمة.

  وعوتب بعضهم على ترك المخالطة فأجاب: {وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ ١٠٢}⁣[الأعراف].

  وقيل الرجل: تركت مجالسة الناس وقد عرفت فضلها! فقال: وهل بقي إلا حاسد على نعمة أو شامت بنكبة؟.

  وعن الفضيل: إن الزمان فسد أهله فرحم الله من لزم بيته وتخلى بربه وبكى على خطيئته.

  وفي هذا القدر كفاية في إثبات تفضيل العزلة على الخلطة، والكتاب العزيز يشير إلى اختيارها عند غلبة الفساد كما في قصة أصحاب الكهف وحكايته عن إبراهيم # في قوله {وَأَعْتَزِلُكُمْ} وقوله تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا ١٦}⁣[مريم] فإن قيل: أليس قد ذكرت في جواب سؤال آخر قد سبق ذكره في هذا الكتاب أن المراد من العزلة إنما هو اعتزال الأشرار دون الأبرار وظاهر ما قررته في هذا الموضع أنك ترجح العزلة وتفضلها على الإطلاق، وظواهر الأدلة تقضي بذلك؟! قيل: من المعلوم أنه ليس المقصود من العزلة إلا البعد من الذنوب وأسبابها، وعن شرار الخلق الذين يحملون على الدخول في المعاصي وارتكابها، ومع غلبة الفساد وأهله قد لا يتميز الودود من الحسود، ولا المصلح من المفسد، ولا يتمكن من مخالطة الصالحين خاصة لقلتهم، وكثرة أهل الفساد وغلبتهم، حتى ينزل وجود الأخ الصالح الذي تحسن مخالطته كالعدم، وقد نبه النبي ÷ على ذلك حيث قال: «إن الناس