طرائف المشتاقين من قصص الأولياء والصالحين،

القاسم بن أحمد المهدي (معاصر)

سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري والإيمان الذي لا يخاف معه في الله لومة لائم

صفحة 456 - الجزء 1

  يأته، وكان بينه وبينه صحبة، فشق عليه ذلك، فكتب إليه الرشيد كتاباً يقول فيه: « من عبد الله هارون أمير المؤمنين إلى أخيه في الله سفيان بن سعيد الثوري أما بعد يا أخي، فقد علمت أن الله آخى بين المؤمنين وقد آخيتك في الله مؤاخاة لم أصرم فيها حبلك ولم أقطع منها ودك، وإني منطو لك علي أفضل المحبة، وأتم الإرادة، ولولا هذه القلادة التي قلدنيها الله - تعالى - لأتيتك ولو حبواً لما أجد لك في قلبي من المحبة، وإنه لم يبق أحد من إخواني وإخوانك إلا زارني وهنأني بما صرت إليه، وقد فتحت بيوت الأموال وأعطيتُهم المواهب السنية ما فرحت به نفسي، وقرت به عيني، وقد استبطأتك وكتبت كتاباً مني إليك أعلمك بالشوق الشديد إليك، وقد علمت يا أبا عبد الله ما جاء في فضل زيارة المؤمن ومواصلته، فإذا ورد عليك كتابي هذا فالعجل العجل»، ثم أعطى الكتاب لعباد الطالقاني وأمره بإيصاله إليه وأن يصغي عليه بسمعه وقلبه دقيق أمره وجليله ليخبره به. قال عباد: فانطلقت به إلى الكوفة فوجدت سفيان في مسجده، فلما رآني على بعد قام، وقال: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، وأعوذ بك اللهم من طارق يطرق إلا بخير، قال: فنزلت عن فرسي بباب المسجد فقام يصلي ولم يكن وقت الصلاة فدخلت وسلمت فما رفع أحد من جلسائه رأسه إلي، فبقيت واقفاً ما منهم أحد يعرض علي الجلوس وقد علتني من هيبتهم الرعدة، فرميت بالكتاب إليه فلما رأى الكتاب ارتعد وتباعد منه كأنه حية عرضت له في محرابه فركع وسجد وسلم وأدخل يده في كمه وأخذه وقلبه بيده ورماه إلى من كان خلفه، وقال: ليقرأه بعضكم فإني أستغفر الله أن أمس شيئاً مسه ظالم بيده، قال عباد: فمد بعضهم يده إليه وهو يرتعد كأنه حية تنهشه، ثم قرأه فجعل سفيان يتبسم تبسم المتعجب، فلما فرغ من قراءته قال: اقلبوه