مسألة: [الكلام في أنه هل يجوز ورود النسخ على ما لم يرد الإشعار والتنبيه على نسخه أم لا؟]
مسألة: [الكلام في أنه هل يجوز ورود النسخ على ما لم يرد الإشعار والتنبيه على نسخه أم لا؟]
  اختلف أهل العلم في أنه هل يجوز ورود النسخ على ما لم يرد التنبيه من الله سبحانه وتعالى على نسخه أم لا يجوز إلا فيما علم ورود التنبيه على وقوع نسخه على الجملة؟
  فمنهم من جوز النسخ إن لم يقترن بالمنسوخ التنبيه على النسخ والإشعار به في الجملة وهو قول جمهور الفقهاء والمتكلّمين، وهو الذي نختاره.
  وذهب بعضهم إلى أن ذلك لا يجوز، وحكاه شيخنا ¦ عن أبي الحسين البصري وهو الذي كان يعتمده.
  ويحتج لصحته بأن الخطاب إذا ورد من الحكيم سبحانه في وجوب أفعال أو تروك من غير تحديد ولا توقيت، فإنه يجب على المكلف اعتقاد وجوبها عليه على وجه الإستمرار، فلو نسخها عنه سبحانه بعد ذلك لكان مغرياً له باعتقاد الجهل، وذلك عليه لا يجوز، فلم يجز نسخ ما لم يشعر بنسخه في الأول، فعلى هذا بنى | احتجاجه.
  والذي يدل على صحة ما ذهبنا إليه في ذلك: أنه قد ثبت من جهة العقل والعرف والدلالة الظاهرة من جملة الشرع أن الأمر الوارد على غير التوقيت والتحديد لا يتوهم استمراره مطلقاً، فكيف باعتقاد ينتج عن نظر واستدلال؟
  وإنما قلنا ذلك لأنا نعلم أن المصلحة يجوز تغييرها بتغاير الأشخاص والأوقات، كما قدمنا، وهذا يمنع من تصور اعتقاد دوامها على وجه الإستمرار، ولأنا نعلم زوالها بالعجز والموت فهذا من جهة العقل.
  وأما من جهة العرف: فقد علمنا من حال الآمر أنه إذا أمرنا بأمرٍ من الأمور مطلقاً أن ذلك الأمر يجب تكريره ما دام غرضه باقياً، فإذا علم زوال الغرض في الجواز علم زوال الإستمرار في الوهم، وبهذا إذا قال القائل: أكرم زيداً، ثم أقام يوماً أو يومين فقال: لا تكرم زيداً لم يعد مناقضاً بل يعلم زوال غرضه لا غير وذلك ظاهر.