مسألة: [الكلام في الأمر إذا قيد بالتأبيد هل يجوز عليه ورود النسخ أم لا؟]
  وأما من جهة الشرع: فدلالته على ما قلناه أظهر وأكثر؛ لأنه بجملته ناسخ لما تقدمه من الشرائع، فكيف يُجَوِّزُ مَنْ عَلِمَ أنه ناسخٌ لشرعٍ اعتقادَ وجوبِ استمراره مع ذلك وهو شرع؟ ولم يجز نسخه لما قبله إلا لزوال المصلحة، ومن علم أن المصلحة إذا زالت جاز النسخ منعه هذا العلم من اعتقاد دوام الأمر المطلق، فإذاً الواجب عليه في الأمر المطلق أن يعتقد وجوب دوامه بإدامت المصلحة فيعلقه به، وهذا يخرجه عن الجهل الذي جوز عليه اعتقاده.
مسألة: [الكلام في الأمر إذا قيد بالتأبيد هل يجوز عليه ورود النسخ أم لا؟]
  ذهب بعض المتكلمين إلى أن الأمر إذا قيد بالتأبيد أفاد التأبيد واقتضى دوامه ولم يجز ورود النسخ عليه.
  وذهب أكثر العلماء إلى أنه لا فرق بين الأمر المطلق والمقيد بالتأبيد في جواز ورود النسخ عليه، وهو الذي نختاره.
  وذهب شيخنا | إلى أن الأمر المقيد بالتأبيد إذا قارنه تنبيه يؤذن بنسخه جاز ورود النسخ عليه، وإن لم يقترن به لم يجز، وحكى ذلك عن الشيخ أبي الحسين البصري على نحو ما قدمنا أولاً.
  والذي يدل على صحة ما قلناه: أن الأمر المقيد بالتأبيد بمنزله المطلق في أنه لا يقتضي الدوام عقلاً ولا عرفاً؛ لأن العقل قد دل على أن التكليف لا بد له من آخر، وأنه مشروط بالإمكان وزوال الموانع، وأن حكمه يتغير بتغير المصالح.
  وأما العرف: فبما نعلم من أنه لا فرق عندهم بين قول القائل لعبده: لازم زيداً، وبين قوله: لازم زيداً أبداً، في أن الخطاب في الحالين جميعاً يفيد وجوب ملازمته ما دام الغرض مستمراً، ولهذا لو نهاه بعد ذلك لم يعد مناقضاً، كما قدمنا، ولهذا لو مات لم يجز ملازمته قولاً واحداً لما علم ارتفاع الغرض، ثبت بهذا أن اللفظ المقيد بالتأبيد واللفظ المطلق يجريان مجرى واحداً في أن كل واحدٍ منهما يوجب الملازمة ما دام الغرض باقياً،