مسألة: [الكلام في جواز النسخ إلى غير بدل، وجواز نسخ الأخف بالأشق]
  والخلاف في هذه المسألة ووجوب التبيين ونفيه، كالخلاف في المسألة الأولى؛ فالجواب عنهما واحد، وقد تقدم.
  ولهذا فرق أصحابنا رحمهم الله تعالى بين الأمر والخبر بأنه يشترط في الأمر ما لا يشترط في الخبر، فقضوا بأن الخبر المقيد بالتأبيد يقتضي الدوام، ولهذا حملوا آيات الوعيد على الدوام، وقالوا: الأمر المقيد بالتأبيد لا يقتضي الدوام ما قدمنا.
مسألة: [الكلام في جواز النسخ إلى غير بدل، وجواز نسخ الأخف بالأشق]
  يجوز نسخ الأشق بالأخف بلا خلاف، ويجوز عندنا نسخ الأخف بالأشق، والنسخ لا إلى بدل، وهو قول الجمهور.
  وذهبت طائفة إلى أنه لا يجوز نسخ الفرض إلا بما هو أخف منه، ولا يجوز نسخه إلا إلى بدل يقوم مقامه، وحكاه شيخنا عن داود.
  أما الذي يدل على أنه يجوز النسخ إلى غير بدل: فلأن التعبد إنما وقع للمصلحة فإذا علم الله سبحانه أن المصلحة في الفعل قد زالت لم يمتنع نسخه، وكذلك إذا علم أنه لا مصلحة في بدل يعقبه به لم يجز وروده.
  وأما الذي يدل على جواز نسخ الأخف بالأشق: فلما علمنا من أن الشرائع مصالح، فمتى علم سبحانه أن المصلحة في ورود نسخ الأخف بالأشق وجب في الحكمة إيراده من قبله سبحانه، وقد ورد ذلك في مسألة الصيام؛ فإن الواجب كان صيام يوم واحد وهو عاشوراء، فنسخ بصيام شهر وهو أشق وهو شهر رمضان المعظم زاده الله شرفاً، وكذلك كان المكلف مخيراً بين الصيام والإطعام ثم حتم بعد ذلك الصيام وهو أشق، وذلك ظاهر في قوله سبحانه: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}[البقرة: ١٨٥]، فنفى التخيير الأول في قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[البقرة: ١٨٤]، ولأنه يجوز ورود الأشق ابتداء ولا وجه لجوازه إلا تعلق المصلحة به، وكذلك إذا تعلقت المصلحة به بعد التعبد بالأخف.