مسألة: [الكلام في الدليل على ورود التعبد بخبر الواحد]
  ومنهم من قال: يعلم ذلك بدليل شرعي، وهو مذهب أبي علي وأبي هاشم وأبي عبدالله وقاضي القضاة والأكثر من الفقهاء، وإن اختلف استدلالهم.
  وذهب قوم إلى أن التعبد لم يرد به ثم اختلفوا؛
  فمنهم من تجاوز ذلك بأن قال إن التعبد قد ورد بأن لا يعمل به.
  وذهب شيخنا ¦ إلى أن التعبد ورد بذلك عقلاً وشرعاً، وهو الذي نختاره.
  والذي يدل على صحته: ما قدمنا من أن العقلاء يستحسنون بعقولهم العمل بخبر الواحد إذا غلب على ظنهم صدقه في جلب المنافع ودفع المضار، ومعلوم أن التعبد وضع لهذين الوجهين، وهو جلب منافع الآخرة ودفع مضارها.
  ولأنا كما نعلم بعقولنا وجوب تناول الدواء من يد الطبيب على بعض الوجوه، كذلك نعلم بعقولنا وجوب تناوله من يد غلامه إذا قال أنا أنهيه إليكم على يد هذا الغلام، وغلب على ظننا حصول أمانته، وفقد خيانته، في أنه يجب علينا تناوله في الحالين على سواء.
  وكذلك إذا قال الرسول ÷ إذا أخبركم عني من صفته كذا وكذا فاقبلوا خبره واعملوا به، كان ذلك نازلاً منزلة أمره لنا أو نهيه بغير واسطة فإنه يجب على سواء، فصح بهذه الجملة وجوب العمل على خبر الواحد من جهة العقل.
  وأما الشرع فدلالته ظاهرة موجودة من الكتاب والسنة والإجماع:
  أما الكتاب: ففي قوله سبحانه وتعالى: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}[التوبة: ١٢٢].
  ووجه الإستدلال بهذه الآية: أن الله تعالى أمر أن ينفر من كل فرقة طائفة، وأقل الفرقة ثلاثة، وطائفة الثلاثة واحد أو اثنان، فإذا خرج الواحد أو الإثنان للتفقه في الدين ثم رجعا فأنذرا قومهما وجب عليهم الحذر؛ فلولا أن العمل بخبر الآحاد واقع في الكتاب وجوبه لما كان للآية فائدة، وذلك لا يجوز، ولما كان لإنذارهما معنى.