مسألة: [الكلام في النبي ÷ بعد البعثة هل تعبد بشيء من شرائع من تقدم أم لا؟]
  وأما السمع: فقوله سبحانه عقيب ذكره للأنبياء $: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ}[الأنعام: ٩٠].
  ووجه الإستدلال بهذه الآية: أن الإقتداء لا يكون إلا في الشرعيات، فأما العقليات، فالواجب عليه ~ وآله الرجوع إلى قضية العقل والإهتداء بماينتج له فكره الزاكي، ولم يفرض عليه ولا على غيره في العقليات الفزع إلى أحد، فثبت بذلك أنه # تعبد بما لم تزل عنه مصلحته من شرائع من قبله.
  ودليل آخر: وهو قوله سبحانه وتعالى: {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} عطفاً على قوله: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ}[المائدة: ٤٨].
  ووجه الإستدلال به: أن ظاهره يقتضي وجوب الحكم بكل ما تقدم ذكره مما أنزل الله تعالى عليه، ومما تقدم إنزاله من الكتاب قبله، كما أن قائلاً لو قال لغيره: قد كتبت إليك وإلى غيرك بما يشهد به كتابك فاحكم بما كتبت به إليك أفاد ظاهره الأمر بجميع ما كتب إليه وإلى غيره، وهذا يقتضي أن يكون النبي صلى الله عليه وآله متعبداً بما تضمنته الكتب المنزلة قبله مما شهد به كتابه عليه وآله السلام، ولم يثبت نسخه.
  وما ذكره شيخنا ¦ من أنه كان يجب ألا تضاف إليه شريعته # غير لازم؛ لأنا لا نقول: إنه تعبد بشرائع من قبله على الإطلاق، وإنما تعبد بما لم يثبت نسخه منها، كما أن عيسى # تعبد بما لم يثبت نسخه من شريعة موسى # وما قبلها من الشرائع، ونحن تعبدنا بما لم يثبت نسخه من مجموعها، وإنما أضيفت الشريعة إلى نبينا [~ وآله] والحال هذه لأنها عُلمت من قِبَلِه، ونزلت إليه من عند ربه، ولم يرجع في علمها إلى الكتب التي قبله ولا إلى أهلها، بل ما تعبد به منها نُزّل عليه تنزيلاً لم يدخله شك في صحته، فلذلك أضيفت إليه بخلاف يوشع بن نون # ومن شابهه فإنه رجع إلى موسى # وأخذ الشرع عنه، فكان نسبة الشريعة والحال هذه إلى موسى # أولى من نسبتها إلى يوشع.