مسألة: [الكلام في أنه لا يجوز إنعقاد الإجماع إلا عن دلالة وأمارة]
  ومعنى ذلك أن يوفق الله الأمة فلا تختار إلا الصواب، وهذا يقرب من قول مؤيس(١) بن عمران في أن المجتهد يجوز أن يبلغ في الإجتهاد إلى رتبة يجوز له الفتوى بما يخطر بباله من غير اعتبار دلالة ولا أمارة، وهذا باطل.
  والذي يدل على صحة ما ذهبنا إليه: أنه قد تقرر وجوب طلب الدلالة والطرق عند كافة الأمة في الحوادث والمسائل، ولا يجوز على الأمة التمالي على ترك الواجب؛ لأن ترك الواجب أكبر الضلالة، وقد عصموا من الإجماع على الضلالة، فإذا أجمعوا علمنا أنهم ما أجمعوا إلا عن أمارة أو دلالة، ولأن المعلوم أنهم لا يجمعون إلا على ما يعلمون كونه صواباً، والصواب لا يحصل على طريق الإستمرار بالإتفاق.
  أما أنهم لا يجمعون إلا على ما يعلمون كونه صواباً؛ فذلك ظاهر لولا ذلك لما وجب علينا اتباع الإجماع.
  وأما أن الصواب لا يحصل على طريق الإستمرار بالإتفاق فمعلوم أيضاً، كما أنا نعلم أن من أخبر عن الغيب مستمراً من غير علم بما أخبر به كان خطاؤه أكثر من صوابه، وكذلك من كتب بغير معرفة بالكتابه كان الغالب عليه الخطأ وإن جازت إصابته في النادر، فلو جوّزنا على الأمة الإجماع من غير رجوع إلى طريق لكان خطاؤهم أكثر من صوابهم، وذلك لا يجوز، ولأن المعلوم أن حالهم في التوفيق لا يكون أعلى من حال النبي ÷، وقد ثبت أن النبي ÷ لم يكن يتكلم في الحوادث باختيار نفسه ثقة منه بالتوفيق بل كان معوله على ما يأتي من عند ربه، وقد قال تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ٣ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ٤}[النجم: ٣ - ٤]، فنفى أن يكون كلامه قطعاً بغير دلالة، فالأمة في الأولى بالاحتراز والتثبت في الأمور، ولأنهم لو أقدموا على ذلك بغير دلالة ولا أمارة لكان ذلك إقداماً
(١) مؤيس - ويقال له: موسى - بن عمران الفقيه المعتزلي من الطبقة السابعة، ذكر أبو الحسين أنه كان واسع العلم في الكلام والفتيا، وكان يقول بالإرجاء. انظر كتاب المنية والأمل في شرح كتاب الملل والنحل.