صفوة الاختيار في أصول الفقه،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

مسألة: [الكلام في أن الدليل قد ورد على التعبد بالقياس]

صفحة 300 - الجزء 1

  قالت: نعم، قال: «فدين الله أحق أن يُقضى⁣(⁣١)».

  ووجه الإستدلال بهذين الخبرين: أنه ÷ نبه على وجوب استعمال طريقة القياس، فلو لم يكن العمل بالقياس واجباً لم ينبه عليه.

  أما أنه نبه على ذلك: فظاهر الخبرين يقضي به؛ لأنه شبه تقبيل الصائم بغير إفضاء إلى قضاء وطره من الجماع بالمضمضة بالماء، ولا يفضي إلى بلوغ غرضه من الشرب، وإذا كانت المضمضة والحال هذه لا تفطر فكذلك القبلة، وهذا هو معنى القياس، وكذلك شبه دين الله سبحانه بدين العباد في خبر الخثعمية، فإذا وجب قضاء دين العباد عليها لحرمة الولادة، فوجوب قضاء دين الله أولى، والحكم فيه ألزم، وهذه الأخبار كما ترى محض القياس، فلولا أن استعماله واجب لما أمر به النبي ÷، وقد أمر به، فثبت أنه واجب، وهذه الأخبار وإن لم تبلغ درجة خبر معاذ في الإستفاضة والتواتر؛ فإن كثرتها وإتيانها من طرق شتى يوجب قوتها ويقضي بوجوب العمل عليها لما قد تقرر من خبر معاذ، فهي كالجاذبة إليه والرافدة له.

  وقد كان شيخنا ¦ يقول: وإن كانت هذه الأخبار غير معلومة فإن القياس والإجتهاد من باب الأعمال والإعتماد على خبر الآحاد واجب في باب الأعمال كما قدمنا، ثم تفرع الكلام فيه إلا أن هذا القول يمكن اعتراضه بأن القياس والإجتهاد من أصول الشريعة وأركانها المهمة، ولا يجوز إثبات أصول الشريعة بأخبار الآحاد كما نعلمه في الصلاة والصوم وسائر الأركان دائماً يجب العمل بأخبار الآحاد فيما قد تقرر أصله بطريقة معلومة فهذه دلالة السنة.

  وأما دلالة الإجماع: فلأن الصحابة لما اختلفت بعد وفاة النبي ÷ في مسائل لم يوجد فيها نص من النبي ÷ سلكوا طريقة


(١) أخرجه: البخاري (٣/ ٣٠٠، و (٤/ ٥٦٠٦)، ومسلم (٩/ ٩٧، ٩٨)، وأحمد في المسند (١/ ٤٦٦) رقم (٣٣٦٧)، والنسائي (٥/ ٨٩)، ومالك في الموطأ (١/ ٣٥٩)، والطبراني في الكبير (١١/ ١٠٩) رقم (١١٢٠٠) والصغير (١/ ٤٠٥) رقم (١٤٨٤).