صفوة الاختيار في أصول الفقه،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

مسألة: [الكلام في عدم جواز ورود التعبد بالقياس في جميع الشرعيات]

صفحة 306 - الجزء 1

  خبر معاذ وغيره تناولت الغائب دون الحاضر فلا تستعمل في غير ما تناوله، وإنما الكلام في مقدار الغيبة التي يجوز معها الإجتهاد في حياته عليه وآله السلام.

  فذكر شيخنا ¦ في المذاكرة ما قدمنا ذكره، وروينا عنه على غالب الظن ووضع في كتابه أن ذلك لمن لم يمكنه مراسلته # في أمر الحادثة.

  واختيارنا في أمر الغيبة: أنه إن كان في موضع يتحمل في وصول النبي ÷ ومراسلته سفراً، كان فرضه الإجتهاد والقياس.

  وإن كان في موضع دون ذلك وجب عليه الرجوع إلى النبي ÷، وإنما قلنا ذلك؛ لأن أدلة الإجتهاد قد دلت على وجوب استعماله في عصر النبي ÷ لمن غاب عنه، وأقل الغيبة في العرف الشائع ما يسمى سفراً وأكثرها لا يقف على حد معين، فلا يجوز الإقتصار منه على قدر دون قدر بغير دليل، وإمكان المراسلة قائم في البعد والقرب على سواء بأن تصدر الحوادث ثم يطلب أجوبتها منه عليه وآله السلام، فلما لم يكن ذلك إخترنا أن المجتهد إذا قد صار مسافراً صار غائباً، ولأن النبي ÷ قال له: «بم تحكم إن لم تجد في الكتاب والسنة»، قال: أجتهد رأيي، ولم يفصل بين من سأله في طريقه وبين من يسأله من مستقره وغاية مراده، فإذا سُئِل وهو من أهل الإجتهاد لزمه فرض الحادثة فيتعيّن عليه الجواب.

مسألة: [الكلام في عدم جواز ورود التعبد بالقياس في جميع الشرعيات]

  لا يجوز ورود التعبد بالقياس في جميع الشرعيات، ويجوز ورود النص في جميعها.

  أما جواز ورود النص في جميعها فذلك ظاهر؛ لأنه لا يمتنع أن ينص الله سبحانه على أحكام الأنواع والأجناس لجواز تعلق المصلحة بذلك.

  وأما القياس فلا يجوز ورود التعبّد به في جميع الشرعيات؛ لأنا قد قدمنا أن لا بد من الرجوع في القياس إلى أصل معين، فإذا تعبدنا بالقياس في الأصل احتاج الأصل إلى أصل لأنه مقيس أيضاً فيتصل بذلك ما لا يتناهى وذلك لا يجوز، وإن قيس بعضها على بعض