صفوة الاختيار في أصول الفقه،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

مسألة: [الكلام في فحوى الخطاب هل هو قياس أم لا؟]

صفحة 340 - الجزء 1

  باب الإستحقاق ومنافاة التعظيم من التأفيف بهما، فإذا منع من الأدون كان المنع من الأعلى في هذا الباب أولى.

  وذكر قاضي القضاة أن المنع من ضربهما معقول من ظاهر اللفظ لا من جهة القياس، ولا بد من اعتبار عادة أهل اللغة في ذلك، واختيارنا في هذه المسألة ما ذكره القاضي.

  والذي يدل على صحته: أن القياس نوع من الإجتهاد في عرف العلماء، وذلك يفيد كلما لم يحصل العلم به أو الظن إلا باعتبار العلل، ورد الفروع إلى الأصول وملاحظة الأشباه كما قدمنا، ولا يريدون بذلك ما يمكن أن يسلك فيه طريقة القياس؛ لأن ما به أصل من الأصول إلا ويمكننا أن نسلك فيه طريقة القياس كالصلاة والصيام وغيرهما.

  فطريقة القياس وإن أمكن استعمالها فيه كان قياساً والعلم بالمنع من ضربهما حاصل لكل عاقل من أهل اللغة العربية سمع النهي عن التأفيف بهما ونهرهما من رد الفرع إلى الأصل واعتبار الشبه والعلة الرابطة بينهما.

  وقد كان شيخنا | يحكي أن القاضي احتج للمنع من ذلك بأن هذا القبيل لو كان من باب القياس لما علمه إلا من يعلم القياس وسلك طريقته دون من لا يعتبر القياس من نفاة القياس وغيرهم من المهملين، ومعلوم خلافه.

  وأجاب عنه: بأن مقدّمات هذا القياس معلومة فلا تحتاج إلى غامض فحص، ولكن ليس الأمر كذلك فإن منها ما يعلمه المكلف قبل الخطاب كالقول بأن الحكيم لا يرخص في فعل ما فيه علة الحكم وزيادة، وكالقول بمنافاة الإستخفاف والأذى العظيم⁣(⁣١).

  ومنها ما العلم به مقارن للخطاب كالقول بأن الخطاب خرج مخرج التعظيم، فإذا كان الأمر كذلك كانت هذه المقدمات متكاملة للعاقل عند سماع الخطاب، وبها يكمل قياس الأولى، ويمكن في الجواب عن هذا أن يقال: إن من هذه المقالات ما لا يعلمه من يعلم أن هذا الخطاب يوجب المنع من ضربهما والإستخفاف بهما؛ لأن جفاة الأعراب بل أوفى


(١) هكذا في النسخة وقد ظنن فوق كلمة العظيم بكلمة [التعظيم] ولعله الأولى أي أن الإستخفاف والأذى ينافيان التعظيم.