فصل: في الإستحسان
  منهم معرفة وأكثر لأهل العلم مخالطة لا يعلمون أن الحكيم سبحانه لا يجوز منه أن يرخص في فعل ما فيه علة الحكم والزيادة، ولا يخطر ذلك ببالهم ولا توابعه، ولو قلت له: لا تنهر والديك ولا تقل لهما أف؛ لعلم أن ظاهر هذا الخطاب يوجب المنع من ضربهما والإستخفاف بهما.
  فأما ما ذكره شيخنا من أنك قد تنهى عن الأدون وتأمر بالأعظم ولا تكون مناقضة، فذلك لا يمنع مما قلناه؛ لأن ظاهر الأمر يقضي بأن السارق يستحق الإهانة عند العقلاء فيمنع من أذاه الأدون ويؤمر بالأعلى بهذه المقدمة بخلاف الوالدين؛ فإن الظاهر فيهما عند جميع العقلاء استحقاق التعظيم فيطابق الخطاب فيهما الظاهر، ويستفاد منه ما لا يستفاد من ظاهر الخطاب الآخر؛ فصح ما قلناه.
فصل: في الإستحسان
  حكى شيخنا ¦ إكثار المتقدمين والمتأخرين في هذا الباب، قال: وربما تقل الفائدة في ذكره وجملته أن القول بالإستحسان مذهب أصحاب ح، واختيار الشيخ أبي عبدالله، وظاهر مذهب أصحابنا.
  وتكلم شيخنا | في تصحيحه في لفظه ومعناه، وحكى الخلاف في ذلك عن الشافعي وبشر المريسي، وقد ظن كثير ممن أنكر الإستحسان أنه حكم بغير دلالة بل هو حكم شهوة النفس واختيارها، وهذا باطل بما نبينه إن شاء الله تعالى، وقد حصل المتأخرون من أصحاب أبي حنيفة أن الإستحسان هو العدول عن أن يحكم في الحادثة بحكم نظائرها لدلالة تخصها، وهذا مما ظنه مخالفوهم؛ لأنه أليق بأهل العلم، ولأن أهل المقالة أعرف بمقالتهم ومعاضد أسلافهم، ولأنهم قد نصوا على مسائل الإستحسان في الكتب فكان المعلوم فيها ما ذكرنا عنهم.
  منها: أنهم ذكروا أنه لا فرق بين قول القائل: جعلت مالي صدقة في سبيل الله تعالى، وبين قوله: جعلت ملكي صدقة في سبيل الله، من جهة القياس، إلا أنهم استحسنوا أن يحمل قوله: جعلت مالي صدقة على الأموال التي تجب فيها الزكاة لقوله سبحانه: {خُذ