فصل: في الإستحسان
  مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً}[التوبة: ١٠٣]، فعدلوا عن القياس في هذا الموضع إلى الإستحسان الذي هو موجب الآية.
  ومنها: أنه لا فرق بين الحدث المعتمد في الصلاة وبين حدث المسبوق في أن كل واحد منهما يفسد الصلاة من جهة القياس إلا أنهم عدلوا في حدث المسبوق للخبر وهو قول النبي ÷: «من قاء في صلاته أو رعف فلينصرف عنها وليتوضأ وليبنِ على صلاته ما لم يتكلم(١)».
  ومنها: أنه لا فرق في فساد الصوم بين الأكل تعمداً ونسياناً من جهة القياس؛ لأن وجود ما ينافي الصوم لا فرق بين أن يكون حاصلاً من قبلنا أو من قبل الله سبحانه من جهة القياس، إلا أنهم عدلوا عن القياس فيما يوجد منه على سبيل النسيان للخبر وهو قول النبي ÷ لمن أكل ناسياً: «تم على صومك فإن الله أطعمك وسقاك».
  ومنها: أن القياس يمنع من سلم الموزون في الموزون إذا كان رأس المال ثمناً توجد إحدى علّتي الربا فيه، إلا أنهم جوزوه استحساناً بدليل يخصه وهو الإجماع على جوازه.
  ومنها: أن القياس كان يوجب جواز عقد السلم وإن وقع الإفتراق قبل قبض رأس المال؛ لأنه ليس من عقود الصرف، وإنما هو عين بدين، ولكنهم عدلوا عن القياس فيه لدلالة الخبر وذلك أن النبي ÷ «نهى عن بيع الإنسان ما ليس
(١) رواه أبو خالد ¥ عن الإمام الأعظم زيد بن علي @ في المجموع الفقهي (١٢٠) بلفظ: حدثني زيد بن علي عن أبيه عن جده عن علي $: " في الرجل تخرج منه الريح أو يرعف أو يذرعه القيء وهو في الصلاة فإنه يتوضأ ويبني على ما مضى من صلاته، فإن تكلّم استأنف الصلاة، وإن كان قد تشهد فقد تمت صلاته"، وأورده ابن بهران في كتاب جواهر الأخبار والآثار في نواقض الوضوء (١/ ٨٧)، وقال عقيبه: روى هذين الخبرين في الموطأ، وأخرجه بألفاظ متقاربة في: سنن الدار قطني (١/ ١٥٥) رقم ١٧، وسنن ابن ماجه (١/ ٣٨٥) رقم ١٢٢١، وسنن البيهقي الكبرى (١/ ١٤٢) رقم ٦٥٢.