صفوة الاختيار في أصول الفقه،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

فصل: [في تعارض العلل وتنافيها]

صفحة 344 - الجزء 1

  تخصها خصت عقولهم بحسن ذلك العدول بل بوجوبه جاز أن يسموا ذلك استحساناً لإفادة ذلك بحسنه، كما أن في الإستقباح لكراهتنا لما يقضي العقل بقبحه؛ فإذا كان الدليل حسناً جاز وصف الإستدلال بأنه استحساناً، وبهذا يتم العلم بمعنى الإستحسان وصحة حده وتسميته.

  وأما الكلام في الدلالة على صحة استعماله؛ فلأنه لو لم يصح لكان المانع من صحته لا يخلو من وجوه:

  إما أن يكون لأن الأقيسة الشرعية وطرق الإجتهاد لا يجوز أن يرجح بعضها على بعض، وهذا مما قد دل الدليل على فساده بما قد تبين في غير موضع من أن الترجيح معتبر في العلل وطرق الإجتهاد.

  وإما أن يكون المنع منه لأن تخصيص العلة غير جائز، وهذا أيضاً فاسد؛ لأنا قد بينا فيما تقدم الكلام في جواز تخصيص العلة الشرعية.

  وإما أن يقع الخلاف فيما يجعله المستدل وجهاً للإستحسان ويوجب كونه أقوى من القياس المعدول عنه، والكلام في كيفية وقوعه وصحة وجوهه التي وقع عليها عند مثبته مبين في الكتب؛ لأنه لا يتعلق بأعيان المسائل، وإذا بطلت هذه الأقسام ثبت أن الإستحسان أحد أدلة الشرع على الفروع وأنه لا مانع من إثبات الأحكام به، وكان ¦ يستدل على صحته بأنه ترجيح طريق شرعي على طريق آخر شرعي، والترجيح بين الطرائق الشرعية جائز في الشرع، فجاز الإستحسان.

فصل: [في تعارض العلل وتنافيها]

  ذكر شيخنا في تعارض العلل وتنافيها:

  اعلم أن وصفنا بأن العلل متعارضة متنافية قد يفهم منه أنها متضادة تضاداً يستحيل معه اجتماعها كتضاد السواد والبياض، وهذا غير ثابت في العلل الشرعية؛ لأن الأكل والكيل والطعم قد اجتمعن في البر، وعلل كل قوم من أهل العلم تحريم التفاضل بواحدة منهنّ.